تقاريرتقارير ميدانية

درعا : كيف وظّف النظام قيادات في الثورة لخدمة مصالحه؟

بنادق القادة من كتف الثورة.. إلى الميليشيات

تجمع أحرار حوران – سلام عبد الله

بلغت تجاوزات بعض قادة الفصائل العسكرية المحسوبة على الثورة بعد التسوية منتصف عام 2018 حداً لا يمكن السكوت عنه بحسب الأهالي الحلقة الأضعف في معادلة الصراع منذ انطلاق الثورة.

وصلت خلال الشهور الماضية مئات الرسائل إلى معرفات “تجمع أحرار حوران” في وسائل التواصل الاجتماعي، من مناطق مختلفة في الجنوب السوري، جميعها تشتكي من تجاوزات قادة المجموعات المحلية العاملة لصالح فروع النظام الأمنية في المنطقة.

القاسم المشترك بين قادة تلك المجموعات أنهم كانوا يوماً في صفوف الثورة، وبعد التسوية انقلبوا للعمل لصالح النظام وأظهروا ولاءً منقطع النظير في تصديهم لأي حراك شعبي وملاحقة المعارضين رافضي اتفاق التسوية.

خلايا اغتيال
تمكن النظام خلال السنوات الخمس الماضية من تجنيد مجموعات وخلايا بعضها يعمل سراً والآخر بشكل علني بدءاً من الحدود السورية الأردنية أقصى جنوب البلاد، وصولاً إلى ريف المحافظة الشمالي المحاذي لأرياف دمشق والقنيطرة.

ولتسهيل عمل قوات النظام في المنطقة جرى تقسيم تلك الخلايا إلى مجموعة قطاعات، تولّى كل فرع أمني مسؤولية قطاع وبدأ بتجنيد مجموعات المعارضة عبر منحهم امتيازات معينة، بطاقات أمنيّة ورخصة حمل سلاح وحرية الحركة والتنقل، في مقابل ذلك لم يتردد ضباط النظام في الطلب من المعارضين بالقيام بعمليات تصفية لأسماء معينة وجمع معلومات عن الأهالي، وبعض الشخصيات من المنطقة وتحديث تلك المعلومات بشكل دوري.

ساهم قادة مجموعات المصالحة العاملة لصالح النظام باعتقال وقتل العشرات من أبناء المنطقة منذ عام 2018 بتعليمات مباشرة من ضباط النظام في محاولة لإشراك قادة تلك المجموعات في جرائم النظام وبالتالي صعوبة التراجع عن تنفيذ الأوامر والمهمات المطلوبة، بحسب شهادات محلية متقاطعة لتجمع أحرار حوران.

وأفاد المحامي عاصم الزعبي، مسؤول مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران، بتسجيل ما لا يقل عن 1810 عملية ومحاولة اغتيال، أدت لمقتل ما لا يقل عن 1199 شخصًا في محافظة درعا وذلك منذ عقد اتفاق التسوية عام 2018 وحتى نهاية أيّار/مايو 2023.

وقال الزعبي إن نسبة 70% من عمليات ومحاولات الاغتيال كانت بحق مدنيين وعناصر سابقين في فصائل المعارضة بدرعا، فمن ضمن المجموع الكلي قُتل 211 من العناصر والقياديين السابقين بفصائل المعارضة الذين لم ينضموا لأي جهة عسكرية تابعة للنظام عقب التسوية، كما قتل 543 من المدنيين الذين لم يسبق لهم الانضمام لأي جهة عسكرية.

اقرأ أيضًا.. تقرير حقوقي: حصاد الإرهاب في درعا 2022

اقرأ أيضًا.. تقرير حقوقي: سقوط التسوية في درعا 2021

اقرأ أيضًا.. تقرير حقوقي: حصاد الموت في درعا 2020

مافيا منظمة
في ريف درعا الشرقي يظهر عدد من أسماء قادة المعارضة السابقين متصدري المشهد في عمليات القتل والاغتيال والتغييب القسري سواء عمليات الخطف أو الاعتقال لصالح فروع النظام الأمنية.

ويعتبر عماد أبو زريق في بلدة نصيب أحد أبرز تلك الأسماء، بحسب أبناء المنطقة جميع عمليات القتل التي نفذها عماد وعناصر المجموعة العاملة معه تأتي في سياق ملاحقة عناصر تنظيم الدولة، واستهداف المدنيين والمعارضين بذات التهمة.

في الريف الشرقي أيضاً ينشط محمد علي اللحام المعروف محلّياً بأبو علي اللحام الذي يقود مجموعة تنقلت بين عدة فروع أمنية وساهمت باعتقال ناشطين من المنطقة واغتيالات وعمليات خطف متبادلة بين محافظتي درعا والسويداء تماشياً مع مطالب ضباط النظام في محاولة إشعال الفتنة بين المحافظتين، وتحقيق مكاسب مادية في حال تعذر إشعال فتيل الاقتتال.

وكانت مجموعة عارف الجهماني تنشط في بلدة صيدا والمنطقة الشرقية في اغتيال معارضين للنظام وإيران، قبيل مقتل الجهماني في 26 حزيران/يونيو 2021 بعملية اغتيال في ذات البلدة.

وتعمل مجموعة محمد سلطان الكراحشة المدعومة من قبل المخابرات الجوية على خطف واغتيال المعارضين للنظام وإيران في مناطق عدة من الريف الشرقي لدرعا، إضافة لعملها في تجارة وتهريب المخدرات.

في درعا المدينة ينشط مصطفى قاسم المسالمة الملقب محلّياً بالكسم في عمليات اغتيال مشابهة، إضافة لعمل عناصر المجموعة التي يقودها في ترويج المخدرات في المنطقة وتسهيل تهريبها إلى الأردن، وعلى الرغم من إدراج المسالمة وأبو زريق على قوائم العقوبات الغربية، إلا أن ذلك لم يحد من نشاطهم في انتهاكات منظمة في حق السكان المدنيين في المنطقة.

أما اللواء الثامن الذي شكلته روسيا عام 2018 من عناصر وقادة سابقين في فصائل المعارضة من أبناء المحافظة وبات يتبع إدارياً لشعبة المخابرات العسكرية عام 2021، يحاول قادة اللواء ضبط الأمن في مدينة بصرى الشام والقرى المحيطة بها، ولا يخفي الأهالي تجاوزات وانتهاكات اللواء المرتكبة في عمليات دهم لبعض قرى ريف درعا الشرقي واعتقالات بحق مدنيين، لكن لم يصل الحد بحسب المصادر إلى تنفيذ عمليات اغتيال وفلتان أمني في المناطق المسيطر عليها، يبدو اللواء المجموعة الأكثر انضباطاً وتنظيماً بين المجموعات المنتشرة في الجنوب عموماً.

اقرأ أيضًا.. “الاغتيالات في درعا” عمليات ممنهجة تحصد أبناء المحافظة.. فمن المسؤول؟

لا يختلف الحال في ريف المحافظة الغربي عن الوضع في الريف الشرقي، عشرات المجموعات العاملة مع النظام، معظم قادة تلك المجموعات أجروا تسوية منتصف 2018 وانتسبوا لفروع النظام الأمنية التي بسطت سيطرتها على المنطقة، وانتقل التنسيق بين الطرفين إلى تنفيذ عمليات الاغتيال وجمع المعلومات بأوامر من النظام.

في منطقة الجيدور تنشط عدة مجموعات كانت معارضة في تلك العمليات، بحسب الأهالي تعتبر مجموعة غصاب العيد في مدينة انخل أحد أخطر تلك المجموعات، عمل غصاب الذي عاد من الأردن مطلع عام 2014 مع فصيل “مجاهدي حوران” الذي كان يترأسه ابن شقيقته المعروف “أبو قاسم الجد”.

بعد التسوية استمر غصاب في قيادة مجموعة محلية يتركز عملها في ترويج المخدرات والاغتيالات نتيجة خلافات عشائرية وشخصية أحياناً، والصاق تهم مختلفة لضحايا العمليات التي ينفذها.

وليس بعيداً عن انخل نشطت مجموعة عامر النصار العاملة مع فرع أمن الدولة في عمليات مشابهة، قُتل النصار في 15 كانون الثاني/يناير 2023 في عملية اغتيال نفذها مجهولين في مدينة الحارّة شمال غربي درعا.

في المنطقة ذاتها في بلدة كفرشمس القريبة أيضاً تعمل مجموعة وسيم الزرقان التابعة للأمن العسكري في عمليات مشابهة، قُتل الزرقان بالقرب من مدينة الصنمين في 8 نيسان/أبريل من العام الجاري، بعد عدة محاولات اغتيال باءت بالفشل.

وفي مدينة الصنمين عملت مجموعة علاء محمود اللباد الملقب بالجاموس المدعومة من قبل فرع الأمن العسكري على اغتيال العديد من العناصر والقياديين السابقين في فصائل المعارضة، قبيل مقتل اللباد بعملية اغتيال في 26 كانون الأول/ديسمبر 2021.

كما قتل في بلدة محجة فيصل حمدي الحوشان أحد أبرز المتعاونين مع جهاز الأمن العسكري في درعا، وتربطه علاقة وثيقة مع رئيس الفرع في 25 نيسان/أبريل الفائت.

اقرأ أيضًا.. أثر الاغتيالات في درعا على السلم الأهلي والهجرة.. ما دور العشائر؟

تدل عمليات الاستهداف المتكررة لقادة تلك المجموعات على حالة الرفض والاستياء من تجاوزاتهم بحسب ما يقول الأهالي، كما أنها دليل آخر على عجز النظام عن السيطرة على المنطقة ووجود مجموعات معارضة تلاحق المتورطين في الانتهاكات من حين لآخر.

تسويات جديدة “بلا معنى”
خلال الأيام الماضية فتح النظام باب التسوية من جديد بعد تسويتين سابقتين، لم يتمكن النظام من خلالها من ضبط الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها، أجرى التسوية المئات من أبناء المحافظة، بعد تقديم النظام عبر وجهاء لضمانات من بينها عدم الملاحقة وتسهيل إصدار جوازات سفر للمعارضين بهدف إحداث التغيير الديموغرافي وتهجير الشباب من المنطقة، وإعطاء مهلة للحاق بالخدمة العسكرية تراوحت بين ثلاثة وستة أشهر للمطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية.

اعتبر الأهالي تلك التسويات كسابقاتها لن تأتي بجديد وسيبقى الوضع على حاله طالما أن النظام وعناصر المجموعات العاملة معه لا ينوون تغيير أساليبهم في التعامل مع السكان، ورجّح البعض أن يكون التصعيد أحد الحلول المطروحة مع كل انتهاك يقوم به النظام.

اقرأ أيضًا.. درعا : تسويات وعمليات دهم وهمية ؟

ويأمل الأهالي الذين قدروا أعداد المعارضين للنظام في المنطقة بالآلاف التنسيق بين المجموعات العاملة على الأرض وتشكيل جسم عسكري جديد من شأنه وضع حد لتجاوزات النظام مستغلين الأوضاع الإقليمية والدولية، وعجز النظام وحلفائه عن بسط سيطرتهم على المنطقة، في محاولة قد تكون الأخيرة في وجه إعادة تعويم النظام عربياً وإقليمياً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى