أخبار

كيف تُخبر والدة بغرق ابنها ؟

تجمع أحرار حوران – فريق التحرير

هي واحدة من مآسي السوريين، ليست الأولى وأكاد أجزم أنها لن تكون الأخيرة في بلد مزقته الحرب وتداعت عليه الميليشيات، وبات تركه غنيمة، فالخارج منه اليوم مولود والباقي لا شك أنه أسير لدى سلطة الأمر الواقع.

في 11 آب/أغسطس الجاري تعرض قارب للغرق كان يحمل على متنه 48 لاجئاً من بينهم 40 سورياً و 4 من الجنسية المغربية وثلاثة سودانيين وشخص من كوالالمبور، بعد مغادرته الشواطئ الليبية بساعات.

أسفر غرق المركب عن وفاة 16 من ركابه 5 منهم من محافظة درعا و 11 من قرى ريف دمشق الغربي كناكر، وبيت جن وسعسع.

نشرنا في “تجمع أحرار حوران” تقريراً عن الحادثة بتاريخ 14 من آب الجاري.

بعد نشر التقرير تواصل أحد الناجين من الحادثة من ريف درعا الغربي مع صفحة التجمع عبر فيسبوك، وزدونا بتفاصيل الحادثة وأعداد الناجين وجنسيات الأشخاص على متن القارب.

وبعد ساعات تواصلت سيدة من ذات المنطقة مع الصفحة تسأل إذا ما كان لدينا معلومات عن الحادثة، تقول بحرقة أن ابنها كان أحد الركاب، وأنها تحاول جاهدة منذ أيام معرفة مصيره.

قرأتُ بين كلماتها رغبة في خبر يبدد أفكارها، ويطمئن قلبها الذي لا شك أنه الدليل الوحيد على مصير ولدها.

أرسلت السيدة صورة ابنها وأخبرتني أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، وعلى الفور تواصلت مع الناجي من الحادثة وأرسلت الصورة، ليذكر اسم الشاب والبلدة وكيف غرق أمامه وآخر كلماته خلال الغرق.

عجزت مفردات اللغة التي استحضرتها عن تكوين جملة، أو التعبير عن الحالة، عشرات الأسئلة قبل معادوة التواصل مع والدته، كيف سأخبرها، ماذا سأقول وأنا المؤمن بالأقدار وصاحب القدرة على المواساة، لكني عاجز عن نقل الخبر وتأكيد مصير فلذة كبدها.

هي لا تعلم أن بكيته ولا يهمها فلا بد أن بكائها يغني عن بكاء الملايين، وحزنها لو وزع عليهم لفاض.

استجمعت قواي الخائرة وبعد تردد قلت “لا أعلم ماذا أقول، لكن بإمكاني إرسال المحادثة مع الشاب ويمكنك التواصل معه، لا أملك من كلمات تواسي مصابك، وأنني أصغر من التعزية فقط هذا ما لدي”.

تتكرر مثل هذه الحادثة أكثر من مرة في الشهر، تحمل كل حادثة غرق مئات القصص التي تدمي القلوب، نتذكر الحادثة ونحول الضحايا لأرقام في سبيل حصولنا على صك براءة من جريمة كلنا فيها شركاء.

حوادث لم تحرك العالم وباتت مألوفة لدرجة لم تعد تحرك فينا المشاعر والأحاسيس، نتعامل مع أرقام وننقل التفاصيل وكأننا روبوتات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى