التقرير الحقوقي في محافظة درعا – الربع الأول من عام 2025 (كانون الثاني – آذار)

المقدمة:
مع سقوط نظام بشار الأسد، بدأت مؤسسات الدولة الجديدة – بما في ذلك أجهزة الأمن العام ووزارة الدفاع – في تنفيذ مهامها وبناء أدواتها في فرض القانون وتحقيق الاستقرار في مناطق جنوب سوريا، إلا أن التحوّل الجديد لا يزال محفوفاً بالتحديات الميدانية، كما أن قدرة تلك الأجهزة على تغطية كافة المناطق لم تصل بعد للمستوى المأمول.
وضمن استراتيجية احتوائية اتبعتها السلطات الانتقالية، تم ضم عدد من الأفراد المنتمين إلى مجموعات مسلّحة كانت على ارتباط وثيق بالنظام السابق، إلى صفوف الأمن العام، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا بين الأوساط الشعبية، لما لها من تداعيات مباشرة على مبادئ العدالة الانتقالية ومحاسبة المتورطين في الانتهاكات السابقة.
شهدت محافظة درعا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025 تحولات متباينة على المستوى الأمني، في ظل استمرار التحديات الأمنية، وبروز مؤشرات أولية على جهود إعادة ضبط المشهد العام ضمن إطار المرحلة الانتقالية.
ورغم محاولات الإدارة الجديدة بسط سلطة القانون وتعزيز أجهزة إنفاذه، فإن تفشي السلاح العشوائي ووجود خلايا عنف غير منضبطة، فوي ظل تراكمات غياب المساءلة القضائية، لا يزال يقوّض أسس الانتقال نحو نظام قانوني يحمي الحقوق ويكرّس مبدأ المساءلة.
خلال هذه الفترة، تم تسجيل عدد من الانتهاكات التي تراوحت بين عمليات اغتيال، وحالات اختفاء قسري، فضلاً عن استمرار بعض الجهات غير المنضبطة في استغلال المرحلة الانتقالية لتحقيق مصالح خاصة.
وقد ترافق ذلك مع عجز ملحوظ في بعض جهود نزع السلاح وملاحقة المطلوبين، مقابل بروز تحرّكات مدنية ومجتمعية تطالب بالإسراع في محاسبة المتورطين في الانتهاكات الماضية.
يأتي هذا التقرير لتوثيق أبرز الانتهاكات والوقائع الحقوقية خلال الربع الأول من العام 2025، مع تحليل لأسبابها، والجهات المتورطة فيها، والاستجابات الرسمية والأهلية التي رافقتها، وذلك ضمن منهجية دقيقة تهدف إلى توفير أداة رصد تساعد صانعي القرار، والجهات الحقوقية، والمجتمع المحلي، في تعزيز مسار العدالة الانتقالية وبناء مؤسسات قائمة على الشفافية والمساءلة.
يأتي هذا التقرير الحقوقي الصادر عن “تجمع أحرار حوران” لتسليط الضوء على أبرز الانتهاكات المُسجّلة في محافظة درعا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، حيث يعتمد التقرير على منهجية توثيق دقيقة تستند إلى تقاطع الشهادات الميدانية، والبيانات الموثوقة، تهدف إلى توفير أداة رصد تدعم الجهود الوطنية والدولية في مسار العدالة الانتقالية وبناء مؤسسات قائمة على الشفافية والمساءلة.
القتلى:
لا تزال محافظة درعا تشهد عمليات قتل خارج إطار القانون، تنفذها جهات مجهولة أو خلايا منفلتة، كذلك سجّل مقتل مدنيين بقصف إسرائيلي، فمنذ مطلع شهر كانون الثاني وحتى نهاية آذار من العام 2025 سجّل مكتب توثيق الانتهاكات في تجمع أحرار حوران ما يلي:
عدد القتلى: 109 أشخاص، توزعوا على الشكل الآتي:
- 25 قتيلاً في 32 عملية ومحاولة اغتيال متفرّقة شهدتها محافظة درعا، في حين أصيب 11 شخصًا بجروح متفاوتة جراء محاولات الاغتيال ونجا 7 آخرين من تلك المحاولات.
قتلى الاغتيالات موزعين على الشكل الآتي: (12 مدني، من بينهم دبلوماسي منشق، مختار قرية، أمين فرقة حزبية سابقًا)، (13 غير مدني، من بينهم 4 عناصر من مجموعة محسن الهيمد سابقًا، 3 عناصر من مجموعة تابعة للواء الثامن سابقًا، عنصرين يتبعان لمجموعات محلية مستقلة سابقًا، عنصر سابق في الجيش الوطني، مسؤول مخفر مدينة الشيخ مسكين عقب سقوط النظام، عنصر سابق متعاون مع جهاز أمن الدولة التابع للنظام السابق، عنصر متعاون مع ميليشيا حزب الله سابقًا). - 22 قتيلاً بينهم 4 أطفال و 3 سيدات، بطلق ناري نتيجة (رصاص طائش بفعل نتشار السلاح العشوائي، خلافات عشائرية، الخطأ خلال العبث ببنادق آلية، اشتباك مسلّح خلال محاولة التعدي على ممتلكات عامة).
- 9 قضوا بقصف للاحتلال الإسرائيلي على مناطق متفرّقة في محافظة درعا.
- 8 قتلوا بعد تعرضهم للاختطاف من قبل مسلّحين مجهولين (4 مدنيين بينهم عضو فرقة حزبية سابقًا، 3 من اللجان الشعبية التابعة لرستم الغزالي سابقًا، مساعد في الأمن العسكري سابقًا).
- 9 من عناصر مجموعة محسن الهيمد المرتبطة سابقًا بالأمن العسكري قُتلوا باشتباكات مع قوات وزارة الدفاع والأمن العام في مدينة الصنمين.
- 8 من عناصر الأمن العام ووزارة الدفاع قتلوا باشتباكات مع مجموعة محسن الهيمد سابقًا.
- 3 مدنيين قُتلوا برصاص طائش نتيجة الاشتباكات بين الأمن العام ووزارة الدفاع من جهة ومجموعة الهيمد من جهة أخرى.
- 13 مدني، من بينهم 8 أطفال وسيدتين، إثر انفجار مخلفات حربية كألغام فردية وقنابل يدوية وذخائر غير منفجرة من بقايا النظام السابق.
- 4 مدنيين، ثلاثة منهم عثر على رفاة جثثهم في مقبرة جماعية في منطقة المسمية بريف درعا الشمالي، وواحد
- عثر على رفاة جثته قرب حاجز المال العسكري شمال درعا، قتلوا جميعاً نتيجة إعدامهم ميدانياً برصاص قوات النظام السابق.
- 2 من بقايا مجموعة مرتبطة بالنظام السابق قُتلا خلال محاولتهم اختطاف شاب.
- 2 يتبعان لمجموعتين مسلّحتين في مدينة إنخل قتلا باشتباك فيما بينها.
- 1 قتل خلال محاولة اعتقاله من قبل مجموعة تتبع للأمن العام بتهمة عمله في تجارة المخدرات وتنفيذ عمليات اغتيال في مدينة الحراك.
- 1 مدني برصاص عناصر الأمن العام بعد رفضه التوقف على حاجز قرب مدينة الصنمين.
- 1 عنصر مسلّح برصاص عناصر الأمن العام بعد ملاحقته بتهمة قيامه بسرقة سيارات.
- 1 عنصر من مرتبات الأمن العام، قتل أثناء ملاحقة لصوص كانوا يسرقون ألواح طاقة شمسية.
طرق التنفيذ: 86 شخصًا قُتلوا بواسطة إطلاق النار، بينما قُتل 13 شخصًا بواسطة مخلفات حربية، وقُتل 9 أشخاص بغارات جوية، وقُتل شخص واحد بأداة حادّة.
استجابة الأجهزة الأمنية: أُعلنت بعض التحقيقات التي كشفت عن منفذي عدد من عمليات الاغتيال وجرائم القتل، وأُحيلوا إلى القضاء من قبل إدارة الأمن العام، فيما لم يتم الكشف عن منفذي معظم تلك العمليات، وبقيت دون نتائج ملموسة حتى لحظة إعداد التقرير.
ومع ذلك فإن عمليات الاغتيال شهدت انخفاضًا ملحوظًا مقارنة بالحقبة الزمنية التي كان يسيطر فيها النظام السابق على مناطق الجنوب السوري.
كذلك تمكنت إدارة الأمن العام من الإمساك بعدد من ضباط النظام السابق، والشخصيات المتعاونة معه في تشكيل مجموعات مسلّحة كان من أبرز مهامها تنفيذ عمليات الاغتيال وتهريب وتجارة وترويج المخدرات في محافظة درعا.
الاختفاء القسري:
يُعد الاختفاء القسري أحد التحديات الموروثة، ومع أن هذه الظاهرة تراجعت بشكل ملحوظ بعد سقوط النظام السابق، إلا أن بعض حالات الخطف سُجّلت، تشير إلى وجود مجموعات مسلّحة تعمل وفق مبدأ الثأر أو الحصول على فدية مالية.
عدد الحالات: 15 مخطوفًا في محافظة درعا، من بينهم 6 أشخاص قُتلوا بعد الخطف، و 9 أفرج عنهم بعد الاختطاف.
- كذلك سجّل اختطاف 17 شخصًا من أبناء محافظة درعا أثناء تواجدهم خارج المحافظة، من بينهم واحد قتل بعد الاختطاف أثناء تواجده في العاصمة دمشق (مساعد سابق في الأمن العسكري التابع للنظام السابق)، و 16 شخصًا اختُطفوا أثناء تواجدهم في السويداء (واحد منهم لازال مختطف حتى الآن “أنور عقلة غازي” وتطالب الجهة الخاطفة ذويه بدفع فدية مالية باهظة، و15 شخصًا أفرج عنهم بعد اختطافهم وتعرضهم للضرب المبرح والتعذيب من قبل مجموعة مسلّحة).
استجابة الأجهزة الأمنية: أظهرت الجهات الأمنية المحلية استجابة إزاء حوادث الخطف، من خلال تمكنها من تحرير مختطفين اثنين عقب مداهمات استهدفت أفراداً من الجهة الخاطفة، إضافة إلى دورها في التوسط والمساهمة في الإفراج عن 20 مختطفاً في محافظتي درعا والسويداء.
كذلك كشفت حوادث الخطف لأبناء محافظة درعا في السويداء نهجًا لدى الجهات الخاطفة في تعذيب المختطفين بشكل مُبرح، بهدف الضغط على الأجهزة الأمنية في محافظة درعا للإفراج عن متورطين في تجارة وتهريب السلاح.
لكن عمليات الخطف سجّلت انخفاضًا ملحوظًا عن الحقبة الزمنية التي كان يسيطر فيها النظام السابق على مناطق الجنوب السوري، والذي كان يُدير العديد من مجموعات الاغتيال والخطف فيها.
العدوان الإسرائيلي على جنوب سوريا
شهدت محافظتا درعا والقنيطرة انتهاكات متكررة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، تمثلت في قصف جوي استهدف منشآت عسكرية ومبانٍ سكنية، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص وإصابة أكثر من 30 شخصًا بجروح متفاوتة، بينهم أطفال.
لم تقتصر الاعتداءات على الضربات الجوية، بل شملت عمليات توغل بري واعتقالات لمدنيين مزارعين، حيث نفذت القوات الإسرائيلية مداهمات في عدد من المناطق في محافظة القنيطرة وريف درعا الغربي، أدت لتدمير العديد من ممتلكات المدنيين أيضًا.
كما قامت القوات الإسرائيلية باحتجاز ممتلكات المدنيين منها رؤوس أغنام في قرية معريا، ومنعت الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، ما تسبب بأضرار اقتصادية، خاصة للمزارعين والنحالين الذين أُجبروا مؤخراً على سحب معداتهم بعد تدخل محدود من القوات الإسرائيلية.
وتُعد هذه الانتهاكات استمرارًا لسياسات الضغط والترهيب في ظل غياب أي رقابة أو مساءلة دولية، مما يفاقم من واقع المدنيين في مناطق الجنوب السوري.
استهداف البنى التحتيّة
شهدت محافظة درعا اعتداءات ممنهجة نفذتها مجموعات تخريبية استهدفت البنية التحتية الحيوية، ولا سيما شبكات الكهرباء والألياف الضوئية المغذية لخدمات الإنترنت، وسط اجراءات حكومية غير كافية لردع هذه المجموعات التي تسهم في زعزعة الاستقرار في المحافظة.
وقد أدت هذه الاعتداءات إلى انقطاع واسع النطاق في التيار الكهربائي وتعطّل خدمات الاتصالات، ما فاقم من معاناة الأهالي، وأعاق وصولهم إلى المعلومات والخدمات الصحية والتعليمية، ووسائل التواصل مع العالم الخارجي.
إن حرمان المدنيين من هذه الخدمات الأساسية يُعدّ انتهاكًا صارخًا للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويمسّ جوهر الحق في حياة كريمة وآمنة.
تتطلب هذه الانتهاكات استجابة عاجلة من الجهات المحلية والدولية على حد سواء، من خلال دعم جهود الحماية، وضمان صيانة واستمرارية الخدمات العامة، ومساءلة الجهات المتورطة في التخريب، بما يضمن احترام حقوق المدنيين.
يوصي تجمع أحرار حوران، الحكومة السورية الانتقالية بـ:
- تعزيز التعاون مع المؤسسات الإعلامية المستقلة لضمان تغطية مهنية وموضوعية للأحداث.
- تعزيز الرقابة داخل الأجهزة الأمنية من خلال تشكيل لجان رقابية مستقلة.
- محاسبة المتورطين في الانتهاكات بما يضمن الحد من تفاقم عمليات الاغتيال وأعمال العنف، وفتح تحقيقات والإفصاح عن نتائجها بشكل شفاف أمام المجتمع المحلي.
- توسيع نطاق برامج نزع السلاح وضبط انتشاره العشوائي، بالتوازي مع تعزيز دور المؤسسات الأمنية الرسمية.
- العمل على تحييد المجموعات المسلحة غير المنضبطة عبر تفعيل أدوات الرقابة والمساءلة، واتخاذ تدابير وقائية صارمة للحد من تكرار الانتهاكات وضمان محاسبة جميع المتورطين، بما يعزز الاستقرار وضبط الأمن.
- تعزيز وجود القوات الأمنية المنضبطة بشكل متوازن يُعلي من شأن القانون ويحفظ أمن المدنيين، مع مراعاة حقوقهم وتعزيز الثقة المتبادلة بين المجتمع والأجهزة الأمنية.
- منع إدماج العناصر المتورطة في انتهاكات سابقة في أجهزة الدولة الجديدة.
- إقرار آلية موحدة وشفافة لتلقي شكاوى المواطنين من خلال إطلاق خط ساخن لتلقي بلاغات المواطنين حول الانتهاكات أو التجاوزات الأمنية، وضمان معالجتها بشفافية.
- منع حفر المقابر الجماعية وتدمير وطمس الأدلة التي تشكلها لإدانة جرائم نظام الأسد.
- إرساء ثقافة حقوق الإنسان في سوريا وتعزيزها، لمنع تكرار أي انتهاكات بحق المواطنين.
- اتخاذ تدابير عاجلة لحماية البنية التحتية وضمان استمرار الخدمات الأساسية، مع محاسبة المسؤولين عن الأعمال التخريبية.
يوصي تجمع أحرار حوران، اللجان الأممية والمجتمع الدولي بـ:
- تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني السورية المستقلة لتوثيق الانتهاكات.
- الدعوة لتشكيل لجنة دولية خاصة للتحقيق في المقابر الجماعية المكتشفة في درعا وتحديد هوية الضحايا والجناة.
- تقديم الدعم التقني والمؤسسي للجهات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان بهدف رفع كفاءتها في الرصد والمساءلة.
- تخصيص تمويل من صندوق الأمم المتحدة لدعم جهود إزالة الألغام في المناطق المتضررة في سوريا.
- رفع العقوبات المفروضة على سوريا لما لها من تأثير سلبي على السكان.
- العمل على اتخاذ خطوات فعّالة لوقف الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على المدنيين والممتلكات في جنوب سوريا.