تقاريرتقارير وقصص إنسانية

مدارس درعا: مشاكل عديدة وجهود حثيثة لإنقاذ التعليم فيها

تجمع أحرار حوران – خاص

عانى قطاع التعليم في محافظة درعا من آثار سنوات الحرب الماضية سيما بين عامي 2013 و2018. فقد تعرضت مئات المدارس الحكومية والمراكز التعليمية التي كانت تديرها منظمات مجتمعية، لدمار هائل إثر قصف النظام وحليفه الروسي لها، ثم قيام جنود النظام لاحقاً بنهب التجهيزات التعليمية في كثير منها.

ومع انتهاء الحملة العسكرية التي شنّها النظام السوري بإسناد روسي على درعا بالسيطرة عليها، عاد مئات الآلاف من أهالي مدن وبلدات المحافظة إليها بعد أنّ نزحوا بسبب ضراوة المعارك والقصف، ليجد الكثيرون منهم منازلهم مدمرة أو محروقة أو منهوبة. ولم تسلم المراكز الخدمية ومن بينها المنشآت التعليمية من المصير ذاته، مما دفع الأهالي للمشاركة بنسبة كبيرة في إعادة تأهيلها.

أرقام مرعبة

بلغت نسبة المدارس التي تعرضت للدمار 45% من مجموع المدارس في محافظة درعا، حيث قصفت قوات النظام وسلاح الجو الروسي 433 مدرسة من أصل 988 في المحافظة، وتشمل مدارس ابتدائية وإعدادية وثانوية، مما شكّل معضلة كبيرة في سير العملية التعليمية تمثّلت بصعوبة استيعاب أعداد الطلاب فيما تبقى من مدارس المحافظة التي نجت من التخريب.

في منطقة درعا البلد وأحياء مخيم درعا وطريق السد حيث كانت تسيطر فصائل المعارضة، رصد تجمع أحرار حوران وجود 34 مدرسة حكومية وخاصة، منها 24 مدرسة خارجة عن الخدمة كليًا بسبب الدمار الذي لحق بناءها ومرافقها العامة إثر قصف النظام وروسيا قبل تموز 2018، بينما استطاع الأهالي وبعض المنظمات من القيام بعمليات ترميم بسيطة وإعادة تفعيل 10 مدارس بعمليات إسعافية لتسيير العملية التعليمية فيها.

عدد المدارس العاملة والمعطّلة في إحياء مدينة درعا التي كانت تسيطر عليها المعارضة

وذكرت عدة مصادر أهليّة لتجمع أحرار حوران، أنّ هذه المدارس العشرة الفعّالة حاليًا تعاني هي الأخرى من عدة مشاكل، فإنها بحاجة لترميم المرافق العامة وبعض الغرف الصفيّة والسور الخارجي إضافة لنواقص في عناصر ومستلزمات العملية التعليمية أهمها المقاعد الدراسية والألواح.

وتتفاوت نسبة الدمار في المدارس في محافظة درعا من منطقة لأخرى، وتتصدّرها الأحياء التي كانت تخضع لسيطرة فصائل المعارضة بمدينة درعا، والتي كانت خط مواجهة مع القوات العسكرية للنظام السوري، إذ بلغت نسبة المدارس المدمرة فيها 70% وبنسبة أٌقل قليلًا تأتي مدينتا بصر الحرير والحراك اللتان كانتا لهما النصيب الأكبر من شراسة الحملة العسكرية الأخيرة على المحافظة في 2018، ثم باقي مدن وبلدات المحافظة التي لا تتعدى فيها نسبة دمار المدارس 25 بالمئة، وفق ما رصد مراسلو تجمع أحرار حوران.

مدرسة القادسية في درعا البلد خارجة عن الخدمة بفعل قصف قوات النظام قبيل عام 2018

ويستثنى من هذه الإحصاءات والنسب، المدن والبلدات التي حوّلها النظام لمناطق عسكرية لعدة سنوات حتى أغسطس 2018، حيث سيطر عليها بمعارك سابقة وهجّر جميع سكانها منها وخلال سنوات سيطرته عليها حرق ودمّر ونهب كل ما فيها.

ومثال على ذلك بلدة خربة غزالة في ريف درعا الشرقي، إذ عاد إليها أهلها في تموز 2018 بعد هجرة قسرية استمرت أكثر من 5 سنوات خارجها، ويتحدث أبو خالد (اسم مستعار)، أحد أبناء البلدة لتجمع أحرار حوران، أنهم وجدوا بنيتها التحتية مدمرة بنسبة كبيرة جداً كما أن أكثر من 80 بالمئة من المنازل فيها إما محروق أو مدمر بنسب متفاوتة وجميعها منهوبة. وأما المدارس فالتي لم تتعرض للدمار تم سرقة وتخريب تمديداتها الصحية والكهربائية وأثاثها المدرسي من قبل قوات النظام.

ودفع الأهالي في خربة غزالة في بداية عودتهم إليها حوالي عشرة ملايين ليرة سورية ليعيدوا تفعيل 4 مدارس بشكل إسعافي ثم تشكّلت لجنة شعبية أشرفت على جمع التبرعات من خلال حملات ومبادرات شعبية أطلقتها واستهدفت تأهيل عدة مراكز خدمية وحيوية في البلدة، كان أهمها المدارس إذ تمكنت هذه اللجنة مع الجهود الشعبية من إعادة تأهيل 7 مدارس 5 منها ابتدائية و2 إعدادية بينما فعّلت منظمة يونسكو المدرسة الثانوية بشكل كامل.

وأوضح عضو في اللجنة الشعبية بخربة غزالة، رفض الكشف عن اسمه لدواعٍ أمنيّة، لتجمع أحرار حوران، إنّ تأهيل المدارس السبع كلّفهم حوالي 26 مليون ليرة سورية دفعها الأهالي من خلال المبادرات الشعبية.

ومن المدارس السبع أكملت اللجنة الشعبية تأهيل ثلاث منها بشكل كامل، اثنتان ابتدائية وواحدة إعدادية، بينما يتبقى لإدخالها الخدمة وصول المقاعد الدراسية التي طلبتها اللجنة ودفعت تكلفتها كاملة وقدّرت بـ4 ملايين ليرة سورية ومع ذلك فإنه ما تزال هناك 4 مدارس خارجة عن الخدمة كليًا في البلدة، وفق عضو اللجنة الشعبية.

اقرأ أيضًا.. واقع خدمي سيء و 80 مليون حجم تبرعات مغتربي خربة غزالة للمواجهة..!

صفوف مكتظة

أدى عجز ميزانية النظام السوري عن ترميم المدارس الحكومية المدمرة إلى اكتظاظ الطلاب في الصفوف الدراسية في المدارس المتوفرة والداخلة في الخدمة التعليمية، وخصوصاً في مدارس التعليم الابتدائي، مما يسبب مشاكل كبيرة تؤثر سلبًا على الطلاب والمعلمين.

وقالت نوال العلي، وهو اسم مستعار لمعلمة من بلدة ابطع في ريف درعا الأوسط لتجمع أحرار حوران، “إنّ معظم المدارس في درعا وخاصة في الأرياف تعاني من تكدّس الطلاب في الغرف الصفية، حيث أُجبرت الإدارة في بعض المدارس الابتدائية على وضع 50 أو 60 طالبًا وطالبة في غرفة صفّية واحدة مما يؤثر على عملية التدريس والاستيعاب لدى الطلاب والمعلمين”.

وأضافت العلي، “إنّ المدارس الحكومية جميعها تعاني من مشاكل كبيرة بالمرافق العامة التابعة لها، وخاصة دورات المياه، التي تحتاج معظمها إلى الترميم من جديد بسبب الدمار الذي أصابها، إضافة إلى انقطاع الماء بشكل شبه دائم عنها وعجز الإدارات المدرسية عن شراء صهاريج المياه”.

وأشارت العلي في تصريحها، إنّ بعثات من الكادر الإداري المدرسي توجهت عدة مرات سابقة إلى مجلس محافظة درعا ومديرية التربية بغية طلب ترميم المدارس وتأمين المستلزمات الضرورية لسير العملية التعليميّة، ولكن رفضوا ذلك مرارًا وجاء الرد “هذا الموجود دبروا حالكم”، وهو ما يفسر عجز النظام عن تلبية أبسط متطلبات الأهالي في المحافظة مع الأزمة الاقتصادية التي يعيشها.

وفي حين تكتظ الصفوف بالطلاب في المدارس الابتدائية خاصةً، تعاني أيضًا من قلة توفر المقاعد الدراسية الكافية للطلبة، مما اضطّر مدراء المدارس لوضع كل ثلاثة أو أربعة طلاب في مقعد واحد وهو الذي يتسع لطالبين في الحالة الطبيعية، وهذا يسبب عدم أريحية للطلاب منذ سن مبكرة ويساعد على انتشار الأمراض في ظل انتشار جائحة كورونا، وبلغت كلفة ترميم خشب المقعد الدراسي الواحد 70 ألف ليرة سورية، وذلك وفق “العلي”.

المدارس ” ثكنات عسكرية “

لم يأبه النظام السوري للعوائق الكثيرة التي تواجه مسيرة التعليم في محافظة درعا، والتي شكلت سداً منيعاً يعرقل تقدمها، وبدل أن يقوم بواجبه في ترميم المراكز التعليمية المتضررة ورفدها بتجهيزات حديثة، قامت قواته العسكرية بالاستيلاء على عدد من مدارس المحافظة وحولتها إلى مراكز ومقرات عسكرية، متجاهلاً الصيحات التي نادت بتحسين واقع التعليم في محافظة درعا.

ورصد تجمع أحرار حوران تحويل النظام لعشر مدارس في محافظة درعا إلى مقار عسكريّة لقواته تتوزع على عدة مناطق مختلفة من المحافظة، من بينها مدرسة “الثورة” بحي المطار التي تحولت لمرآب سيارات تابع لفرع الأمن العسكري.

عدد مدارس محافظة درعا و وضعها الحالي بحسب مكتب التوثيق في تجمع أحرار حوران – آذار 2021

كما استولت قوات النظام السوري على كلية الآداب الثالثة التابعة لجامعة دمشق (بناء الجامعات) على طريق المزيريب-اليادودة غربي محافظة درعا، والمركز الثقافي في مدينة جاسم في ريف درعا الشمالي، إضافة إلى معهد آفاق التعليمي بحي السحاري بدرعا المحطة والذي حولته إلى سجن معروف باسم “سجن آفاق” والواقع بالقرب من حديقة حميدة الطاهر.

مدرسة مساكن زيزون (ابتدائي – إعدادي) بريف درعا الغربي تتخذها قوات الفرقة الرابعة مقرًا لها – 15 آذار 2021

التسرب المدرسي

رافق الواقع التعليمي السيء في المحافظة تحديات كبيرة في الجانب النفسي لدى الطلاب، وأدت بشكل كبير إلى انتشار ظاهر “التسرب المدرسي”، في ظل عدم وجود رعاية مجتمعية تهديهم إلى الطريق الصحيح خلال سنوات الحرب الطويلة، ناهيك عن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تمر بها المحافظة.

وقال المستشار الإعلامي لمنظمة غصن زيتون “محمود الباشا” في حديثه لتجمع أحرار حوران، “إنّ نسبة التسرب المدرسي ارتفعت في الوقت الحالي بسبب الظروف الاقتصادية السيئة التي تلعب دوراً كبيراً في ذلك، واضطرار الأطفال للعمل وخصوصاً الذين فقدوا المعيل خلال الحرب، فضلاً عن ازدياد الوضع الأمني سوءاً بسبب الاغتيالات وعمليات الخطف التي استهدفت الأطفال أثناء ذهابهم إلى المدرسة”.

اقرأ أيضًا.. درعا: واقع إعادة الإعمار حِملٌ ثقيل على عاتق الأهالي!

وعن خسائر القطاع التعليمي ما بعد سيطرة النظام على المحافظة قال “الباشا” “إنّ محافظة درعا خسرت كل الجهود والخدمات التي كانت تقدمها منظمات المجتمع المدني سواء من خلال إنشاء مراكز التعليم والحماية أو دعم المنشآت التعليمية وترميمها وصولاً للتوزيعات التي كانت تخفف العبء على الأهالي رغم عدم كفايتها، بالإضافة لتوقف كل فرص التدريب وبناء القدرات لعدد من العاملين في مجال التعليم”.

كما خسرت المحافظة مراكز الدعم النفسي التي كانت تهدف إلى إخراج الأطفال واليافعين من أجواء الحرب من خلال النشاطات الترفيهية وحملات التوعية لمقدمي الرعاية، وتأمين بيئة صديقة للمستفيدين، وبرامج دعم التعليم ومن أبرز المنظمات التي كانت تشرف على هذه المشاريع منظمتي غصن زيتون وأورانتس اللتان أوقفتا عملهما في المحافظة منذ سيطر النظام عليها، خوفًا من الملاحقة الأمنيّة لكوادرها.

ويرى الأهالي أن الفائدة الوحيدة التي نتجت عن سيطرة النظام على المحافظة بالنسبة لقطاع التعليم، هي انتظام أوقات الدوام المدرسي نسبيًا، بعد توقف المعارك والقصف الذي كان يستهدف كل مناطق المحافظة من قبل قوات النظام وحلفائها ويتسبب في تعطّل الدوام المدرسي لأيام وأسابيع.

هذا التقرير هو الثاني في سلسلة تقارير تُنشر عبر موقع تجمع أحرار حوران، تتناول ملف إعادة الإعمار في محافظة درعا من خلال الجهود الشعبية، وأنجَز التقرير فريق العمل بتجمع أحرار حوران (عامر الحوراني – يوسف المصلح –أيمن أبو نقطة) وبشراكة فاعلة من قبل منظمة غصن زيتون.

وأنجز هذا التقرير بدعم من الاتحاد الأوربي ومنظمة Free Press Unlimited، لكنه لا يعكس موقف الاتحاد الأوربي، ويتحمل “تجمع أحرار حوران” المسؤولية عما جاء فيه.

 بدعم من الاتحاد الأوروبي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى