أخبار

“رحلة بطعم الموت” شاب يروي قصة هجرته غير الشرعية من درعا

اعتقله النظام مرّتين وحاول اغتياله أكثر من مرّة.. تعرف على معاناة الشباب في مناطق النظام

تجمع أحرار حوران – وردة الياسين

اجتاز أبو حمزة 26 عامًا، من بلدة أم المياذن، أكثر من 52 حاجزًا لقوات النظام وميليشياته وهو يحمل قلبه على كفّه، ومرّت عليه ساعات وأيّام شهد فيها الموت الوشيك في مناطق موحشة وأماكن لا يعرف اسمها، وبين الجبال والقرى النائية دون ماء أو طعام، سار عشرات الكيلومترات يتذوّق فيها طعم الخوف والقلق في كل لحظة، كلُّ ذلك كان في رحلة تهريب خطيرةٍ وقاسيةٍ إلى تركيا، اختارها أبو حمزة مجبرًا بعد أن استحالت الحياة الآمنة، وبات الاعتقال أو الاغتيال هما ما قد يتعرض لهما إذا بقي فترة أطول في بلدته الواقعة في الريف الشرقي لمحافظة درعا.

يشارك أبو حمزة “اسم مستعار” تجمع أحرار حوران تفاصيل رحلته غير الشرعية نحو الشمال السوري والدوافع التي أجبرته على ترك أرضه وأهله، ورمي آلاف الدولات في جيوب المهربين، بالرغم من عقده للتسويات التي خضع لها أبناء درعا والقنيطرة إبان فرض النظام وحلفائه الروس السيطرة على المنطقتين في صيف 2018.

التزم أبو حمزة منزله بعد توقيعه بطاقة التسوية، محاولًا تجنّب الاحتكاك بقوات النظام، إلا أنه وفي ربيع 2019 استُدعي من قبل فرع الأمن العسكري بمدينة درعا، للتحقيق معه بتهمة مشاركته بكتابة عبارات مناهضة للنظام على جدران بلدته.

يقول أبو حمزة “لم يسألني المحقق في الفرع أي سؤالاً عن التهمة التي استدعوني بموجبها، بل راح يطالبني بالإفصاح عن  تفاصيل من قبيل الكيفية التي التحقت بها في الجيش الحر مسبقًا، المعارك التي خضتها، وأسئلة عن فصائل المعارضة الأخرى وقادتها وما تملكه من سلاح وذخائر، وقال لي بصوت يملؤه التهديد، أي خطأ ترتكبونه بحق النظام ستكون عاقبته وخيمة، فالتسويات لن تشفع لكم لأن مكانها هنا هو الرفوف ودروج مكاتبنا”.

بقي أبو حمزة يوم كامل في سجن فرع الأمن العسكري بدرعا، يسمع عبارات الشتم والقذف ويخضع للتحقيق والتهديد والوعيد بنقله إلى فرع الأمن العسكري بدمشق، ليخرج بعدها من سجن الفرع نتيجة لضغط الأهالي واللجنة المركزية في درعا.

ويتعرض أبو حمزة الذي أصبح تحت أنظار الأفرع الأمنية، لمحاولة اعتقال ثانية في مدينة درعا في مبنى النفوس، الأمر الذي زاد من ضغط أهله وذويه ليغادر بلدته، ولكنه ظل متشبثاً ببقائه بجانب زوجته وأطفاله إلى أن عاش محاولتين لاغتياله في صيف 2020 هو وابنه الصغير وفي عقر داره، مما جعل خيار المغادرة والهروب الحل الأوحد ليحافظ على حياته وحياة أبنائه.

يغادر أبو حمزة بلدته بتاريخ 2 تشرين الثاني 2020 ليدخل  في متاهات طرق التهريب وقساوتها، تلك المتاهات التي قادها عساكر وضباط من النظام وسائقين ومهرّبين، يجمعهم الجشع والمتاجرة بأرواح السوريين الفارين من جحيم قبضة أمنية لاترحم وظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.

اقرأ أيضًا.. تحقيق صحفي: “تجارة بالأرواح”.. في هجرة أبناء الجنوب السوري

ويقول أبو حمزة “اجتزت أكثر من 52 حاجزًا للنظام، بداية من حاجز منكت الحطب المتواجد على مدخل محافظة درعا وصولاً إلى حواجز مدينة حلب، من خلال سيارات وحافلات قادها ضباط وعساكر تابعين للنظام، وعند كل حاجز كان ينتابني الهلع والخوف من طلب هويتي للتفييش، فأنا لم أكن أحمل هويتي السورية، بل حملت وصل يثبت بأن لدي هوية وطنية، ولكن الأمر كان يحل إما بغض البصر عن طلب هويتي أو من خلال دفع السائق المال للحواجز”.

ويتابع “إضافة إلى رعب عشته من عناصر الحواجز، انتابتني حالات من الذعر والهلع، حيث أمضيت أيام في قرى لا أعلم اسمها، ونمت في حافلات أعاني فيها البرد والجوع قبل وصولي إلى المكان المتفق عليه من قبل المهرّب بعد حوالي 10 أيام من تاريخ مغادرتي لبلدتي”.

كان أكبر اختبار عاشه أبو حمزة في جشع المهرّبين، عندما بقي حوالي الأسبوعين في بناء حشر فيه أكثر من 150 شخصًا فارّين من مناطق مختلفة في سوريا، ينتظر كل واحد منه مُهرّبه الذي تعاقد معه ليوصله إلى تركيا، وعن هذا يقول أبو حمزة “بعد انتظار دام ساعات طويلة أُهيم فيها على وجهي  في شوارع مدينة حلب، وبعد عشرات الاتصال مع المهرب، تم إيصالي إلى بلدة تعتبر الحد الفاصل بين مناطق النظام ومناطق فصائل المعارضة، وتحت ذريعة أن فصائل الجيش الحر قد أغلقت طرقات التهريب كما تم إخباري من قبل المهرّب، وضعت في بناية يتواجد فيها مئات الأشخاص المنتظرين مثلي متابعة طريقهم إلى تركيا”.

ويصف أبو حمزة التجربة التي عاشها في هذا البناء بالبشعة جدًا، وكثيرًا ما راودته فكرة العودة إلى بلدته نتيجة لما تعرّض له من ذل واستنزاف للمال والكرامة، فيقول “دفعت 300 دولار لأحشر مع المئات في مكان أقل مايمكن وصفه بالقذر، يحكمه جشع المهرّبين اللذين استنزفوا كل أموالنا من خلال دفعنا أسعار مضاعفة لطعامنا وشرابنا ولأي مادة أخرى كنا نحتاجها، وأبعد من ذلك كان المهرّبين الحارسين للمكان يقاسموننا الحوالات التي كانت تصلنا من أهلنا، هذا كان أمر سهل أمام تعرض المبنى في إحدى المرات لإطلاق نار عنيف كاد يودي بحياتنا بحجة دخول حراس البناء الذي نقطنه بمعركة مع مهرّبين آخرين من مناطق أخرى”.

وتأتي ساعة الفرج كما اعتقد أبو حمزة حين طُلب منه ومن 25 شخص آخرين معه في نفس البناء، تجهيز أنفسهم للمغادرة والمتابعة في طرق التهريب إلى تركيا.

بين جبال شديدة الوعورة يسير أبو حمزة ومن معه يقودهم أحد دلّالي المنطقة، والذي تركهم بعد مسيرة يوم ونصف، مُطمئناً إياهم بأن عنصراً من عناصر الجيش الحر سيأتي بعد تركه لهم، ليتابع معهم المسير نحو مناطق سيطرة الجيش الحر، ولكن ماحدث هو وقوع أبو حمزة ومن معه في قبضة مجموعة مسلّحة تتحدث اللغة الكرديّة.

يردف أبو حمزة “كنا تائهين بين الجبال الوعرة ننتظر العنصر الذي ذكره الدليل، ولكنه لم يظهر بل ظهر عوضاً عنه مجموعة  مدججة بالبنادق الأمريكية تتحدث اللغة الكردية وقليل من العربية، قادونا إلى مكان لا نعرفه، وأمرونا أن نصطف جنب إلى جنب وهم يصوبون بنادقهم نحونا، وراحوا ينهالون علينا بأسئلة عن من نكون، وعن سبب قدومنا، ويتهموننا بأننا قدمنا كي ننضم للجيش الحر لمقاتلة الأكراد”، ويضيف “مرّت الساعات ثقيلة يلوح فيها الموت كل لحظة، إلا أن بدأت تنهال القذائف حولنا، فيهرب عناصر المجموعة المسلحة، ونجري أنا ومن معي هائمين من جديد على وجوهنا في وعورة الجبال”.

ويجزم أبو حمزة بأن ما حدث لم يكن  إلا مسرحية متفق عليها بين المهرّبين والجماعة المسلحة الكردية، يراد بها إيهامهم بصعوبة التهريب، كي يبرر المهرّبين ارتفاع أسعار المبالغ التي يطلبونها من الفارّين من سوريا، حيث ظهر وبعد ساعات من تعرضهم لهذا الموقف العنصر الذي ذكره الدلّال الذي قادهم نحو مناطق الجيش الحر.

يدخل أبو حمزة ومن معه إلى مناطق الجيش الحر بعد ساعات من التعب الجسدي الشديد، ليبدأ بعدها شوط جديد من رحلة التهريب للدخول إلى تركيا.

يسرد لنا أبو حمزة مزيداً من التحدّيات أمامه “بدأت رحلة البحث عن مهرّب يضمن لي الدخول إلى تركيا”، وأمضى 10 أيام يبحث عن طرقات مضمونة تدخله إلى تركيا “دخلت مدينة كلّس التركية بعد أكثر من محاولة لاجتياز الجدار الإسمنتي الفاصل بين الحدود السورية والتركية، وكنت قد تعرضت لإطلاق نار من قبل الجندرما التركية في إحدى المحاولات، إضافة إلى أنه تمت إعادتي في إحدى المرّات من قبل الشرطة التركية إلى مناطق الشمال السوري وبعد اجتيازي للحاجز”.

بعد حوالي الشهر والنصف منذ خروجه من بلدته في محافظة درعا، يتمكن أبو حمزة من دخول مدينة كلس التركية في رحلة تهريب كلفته حوالي 3000 دولار، وكلفته البعد عن زوجته وأطفاله وبيته وأرضه.

يختم “كان خروجي صعب جداً كخروج الروح من الجسد، لم أتوقع في يوم من الأيام أن أترك أرضي وأهلي وأصحابي ورفقاء دربي، وأن أترك قضيّتي، لكن الوضع في درعا أصبح لا يُطاق، فالنظام وحلفائه  لا عهد لهم ولا ميثاق، ولن يتركونا نعيش حياتنا بكرامة”.

وتشهد محافظة درعا جنوبي سوريا منذ فرض النظام السوري وحلفائه الروس والمليشيات الإيرانية السيطرة على المحافظة  أواخر تموز 2018 حركة هجرة وهروب لأبنائها خاصة فئة الشباب منهم، وذلك نتيجة للظروف الأمنية المتمثلة بازدياد الاغتيالات وعمليات الخطف والاعتقال من قبل أفرع النظام الأمنية، والتي طالت في غالبيتها الشباب الذين خضعوا إلى تسوية لأوضاعهم بضمانة روسية، ويضاف للظروف الأمنية ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة يعيشها الأهالي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى