تقاريرتقارير ميدانية

نظرية أم القرى.. استراتيجية إيران لاستعادة إمبراطورية فارس

تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني

لطالما كانت نظرة إيران الخمينية إلى جيرانها العرب نظرة دونية، ترتكز على بعد تاريخي مهم وهو إمبراطورية فارس التي كانت تحكم معظم دول المنطقة، بالمناصفة مع الروم، في الوقت الذي انقسم العرب آنذاك إلى قسمين، تبع للفرس وهم المناذرة، وتبع للروم وهم الغساسنة، حتى جاءت الفتوحات الإسلامية وأنهت تواجد الإمبراطوريتين، وسيطر المسلمون على فارس لتصبح بلادًا إسلامية.

إلا أن إيران حديثًا، وبعد ثورة الخميني وضعت خطة متكاملة لاستعادة أمجاد إمبراطوريتها البائدة، من خلال السيطرة على العراق وبلاد الشام، والجزيرة العربية، بدءًا من شعار الخميني في تصدير الثورة، وصولا إلى نظرية “أم القرى” التي تشكل الخطر الأكبر على الدول العربية، والتي يتم تنفيذها حاليا بتسارع كبير.

ما هي نظرية “أم القرى”؟

نظرية استراتيجية، وضعها النائب في البرلمان الإيراني، محمد جواد أردشير لاريجاني، والذي عمل مساعدًا لوزير الخارجية لعدة سنين في عهد الخميني، وكان عضوًا ومستشارًا في مجلس الأمن القومي الإيراني، حيث جاءت ضمن كتابه “مقولات في الإستراتيجية الوطنية”، والذي لا يزال يدرس حاليًا في الجامعات الإيرانية.

النظرية تم اختيار اسمها من الآية الكريمة “وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا”، ولكن ليس المقصود بالنظرية مكة المكرمة، إنما اعتبرت النظرية إيران أم القرى، حيث تخلص النظرية إلى نهاية تتمثل في جعل الحج الإسلامي يتوجه إلى إيران، وقصف الكعبة بالصواريخ إن أمكن ذلك.

النظرية لها بعدان أساسيان:

البعد الأول وهو بعد داخلي يتعمد على الحفاظ على الدولة الإيرانية، وهنا يقول لاريجاني: “إيران دون أدنى شك أم القرى في العالم الإسلامي”، و”المحافظة على أم القرى معادل للمفهوم العرفي للمحافظة على الدولة”.

البعد الثاني فهو بعد خارجي، يسعى لإقامة إمبراطورية خارجة للحدود، ويبرز في قول لاريجاني “ومما لا شك فيه أن الحفاظ هنا يقصد به المعنى الكامل للكلمة؛ إذ لا يقتصر على الحفاظ على حيز الدولة الجغرافي”.

ترويج النظرية وأساسها

يعتمد لاريجاني على مبدأ التقية السياسية “المؤقتة” لتحقيق النظرية، فيقول فيها “في بعض الوقت من أجل المحافظة على أم القرى يجب أن يكون هناك تصرف معتدل مع بعض الدول على الرغم من فسادها وجورها، لكن من أجل المحافظة على أم القرى يمكن شرب كأس السم”.

ويرى أن إنفاق المال مهما كان عظيما في سبيل تحقيق أهداف النظرية فهو أمر لا بأس به، وخاصة إذا كان في شراء الذمم، سواء للدول، الأشخاص كالزعماء، المفكرين، رجال الدين، ولو كان إيمانهم بفكرة أن إيران أم القرى ظاهري، إذ سيتبع ذلك تكبيلهم باتفاقات ملزمة تجعلهم في خدمة إيران.

أيضًا في سبيل تأكيد نظريته، يرى لاريجاني، أن إيران هي معقل الإسلام الرئيسي، وانتصار إيران هو انتصار للإسلام، وهزيمة إيران هزيمة للإسلام، فهو يعتمد على مبدأ التماهي بين الإسلام وإيران في ذلك.

ولاية الفقيه أساس والحدود “مؤقتة”

تعتمد النظرية ولاية الفقيه كأساس لها، وتعتبر أن أي قيادة للعالم الإسلامي لا تصح إلا من خلال هذه الولاية، كما يقول كاتبها “تلاحظون أنه من أجل إيجاد أم القرى فليس مطروحًا الموقع الاستراتيجي والسكان والجنس، وأمثال ذلك، بل المعيار هو في الولاية”.

أما بالنسبة للحدود الإيرانية مع الدول العربية المحيطة، فتراها النظرية حدودا مؤقتة حتى يحين وقت إزالتها وإلحاق هذه الدول تبعيا لإيران، وترى القبول المؤقت “إجبارا”.

أيضًا تدعو النظرية أن يكون ولاء الشعوب للإسلام، ولكن حسب النظرية فإن الإسلام هو إيران، وبحسب هذا المزج، لا بد أن يكون ولاء المسلمين لإيران لأنها فقط من تمثل الإسلام، وهذا ما بدأت نتائجه تظهر بشكل كبير وخطير، فهناك الملايين في الدول الإسلامية أصبح ولائهم لإيران، كالعراق، سوريا، لبنان، فلسطين، وقسم من شعوب الجزيرة العربية، وحتى في الدول الإسلامية الأخرى، أي أن استمرار تصاعد الولاية لإيران سيؤدي بالنتيجة لاحقا إلى زوال الحدود تلقائيا.

الأذرع العسكرية وسيلة إيران لتطبيق النظرية

اعتمدت إيران منذ وصول مرشدها السابق الخميني على إنشاء أذرع عسكرية لها في الدول الإسلامية والعربية المحيطة، وبدأت من لبنان والعراق، حيث أوجدت في لبنان كلا من حزب الله، وحركة أمل، واللذان يسيطران اليوم على مفاصل الدولة اللبنانية، ويعيقان أي تطور للدولة اللبنانية في أي مجال، بدءًا من الاقتصاد، ووصولاً للسياسة لدرجة أن اللبنانيين لم يتمكنوا من انتخاب رئيس للجمهورية منذ أكثر من عام.

ولم يقتصر دور الذراع الإيرانية في لبنان على لبنان، بل امتدت لتفتك بالسوريين بعد اندلاع الثورة ضد نظام الأسد الذي كان مواليا لإيران، ليصبح لاحقًا أحد أهم أذرعها لتحقيق نظريتها.

أيضًا في العراق، فمنذ وصول الخميني للسلطة، بدأ بتشكيل جماعات مناهضة للدولة العراقية كحزب الدعوة، منظمة بدر واللذين قاتلا أخوتهم من العراقيين لحساب إيران، وهم اليوم يسيطرون على مقاليد الحكم في لبنان.

كما لم تترك إيران دول الخليج والسعودية، فعمدت إلى دعم جماعات في البحرين والسعودية، وتسليحها سرًا، إلا أن هذه الجماعات لا تزال كامنة، كما دعمت صعود الحوثيين في اليمن ليكونوا السكين الأكثر إيلامًا في خاصرة السعودية.

ووفق بند النظرية العابرة للحدود، قامت إيران بجلب الآلاف من المقاتلين من أفغانستان، وباكستان تحت مسميات فاطميون وزينبيون، وهؤلاء يرون أن ما يقومون به هو انتصار للإسلام الذي تمثله إيران، وليس تعديًا على أبناء الدول الذين جاؤوا لقتلهم.

الأذرع الإيرانية، باتت اليوم تشكل ذلك الطوق حول ما تبقى من دول عربية، غير خاضعة لطهران، إلا أنها استطاعت زعزعتها، بأساليب مختلفة، من خلال المجموعات المسلحة التي تخترق الحدود، وعمليات التجنيد، وتجارة المخدرات التي تعتبر بالنسبة للإيرانيين وسيلة لتمويل عملها، ولا تنظر إيها من مبدأ المحرمات، بل إن أحد أهم أهداف إيران هو تفكيك المجتمعات العربية وجعلها في أسوأ الأحوال، لتجد هذه المجتمعات في إيران منقذها الوحيد “الإسلامي” من الواقع السيء الذي تعيش فيه.

وما سيطرة إيران على الدول الأربعة “العراق، سوريا، لبنان، واليمن”، إلا المقدمة للسيطرة على الأردن ومنها إلى السعودية والبحرين وهو أهم أهداف النظرية.

بالنتيجة، يكون ساذجًا كائن من كان، من يعتقد أو يحلل أو يرى أن الدولة الإيرانية بنظام وليها الفقيه الحالي يمكن أن تنسجم يومًا مع الدول العربية، أو تكون جادة في الحوارات التي تطرح إجراءها، أو في العلاقات التي تسعى لإقامتها معها، فإيران ترى في العرب محتلين لأراضٍ هي ملك إمبراطوريتها، وما هو إلا وقت حتى تبدأ باستعادتها بكل الطرق الممكنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى