تقاريرتقارير وقصص إنسانية

جهود شعبية لا تنقذ تدهور القطاع الصحي بدرعا

تجمع أحرار حوران – خاص

تعطّلت 40 مستشفى ونقطة طبية من أصل 44، في مناطق سيطرة فصائل المعارضة سابقا بمحافظة درعا، بعد أن انتقلت لسيطرة النظام السوري بدعم روسي في تموز 2018، بينما فعّل الأهالي على نفقتهم الخاصة أربعة مستشفيات في ريف درعا كلّفتهم مئات الملايين من الليرات السورية لكنّها تتعرض لضغط عمل كبير ولا تلبّي حاجة الأهالي بشكل كامل.

وفي مدينة نوى والقرى التابعة لها بريف درعا الغربي، أصبح أكثر من 100 ألف مدني يعانون من تدهور القطاع الصحي، منذ سيطر النظام، بعد أن خرج مشفى نوى الوطني الوحيد في المدينة عن الخدمة إثر القصف الذي تعرض له ثم نهب تجهيزاته الطبية وتخريبه من قبل قوات النظام.

وبذلك فقد الأهالي عديد الخدمات الطبية منها “الإسعاف، العناية، العيادات الطبية، النسائية والتوليد والجراحة (كبرى وصغرى)” التي كان يقدمها مشفى نوى الوطني مجانًا قبل دخول النظام للمنطقة وسيطرته عليها، إلى جانب تضرر المشفى وخسارته لمعظم تجهيزاته وكادره الطبي الذي فصله النظام.

مشفى نوى الوطني 2021

وجمع الأهالي 80 مليون ل.س في حملة أطلقوها لإصلاح بعض الأعطال في وحدة الأكسجين والأبراج الخاصة بها في مشفى نوى الوطني، مطلع العام الجاري 2021 خلال جائحة كورونا، لكن ما زال المشفى يعاني من ضعف التجهيزات الطبيّة وعدم قدرته على تقديم أبسط أنواع العلاج للأهالي في ظل تفعيل مشفى خاص آخر مجهّز بكافة الكوادر والتجهيزات الطبية اللازمة لكنّ عملية العلاج فيه مكلفة للغاية بينما يعيش السوريون أوضاعاً اقتصادية صعبة في البلاد.

قطاع صحي يحتضر

قبل تمّوز 2018، كان هناك 44 مستشفى ونقطة طبية ضمن مناطق سيطرة المعارضة السورية في محافظة درعا، إلى جانب 7 مشافي في المناطق التي كانت خاضعة للنظام، وقدّمت معظم الخدمات الطبيّة للأهالي مجانًا لعدة سنوات.

وبلغ عدد المستفيدين من خدمات الـ44 مستشفى ونقطة طبية قبيل تعطّلها، 593,800 مدنياً ممن كانوا يقطنون في مناطق المعارضة، وكانت بديلاً منافساً للمشافي الحكومية الواقعة تحت سيطرة النظام والتي استثمرها النظام سابقاً في إلقاء القبض على عدد من المطلوبين لفروعه الأمنية والعسكرية، مستغلاً حاجة الأفراد للمنشآت العلاجية.

تقلّص أعداد المشافي والنقاط الطبيّة في مناطق المعارضة بدرعا بعد سيطرة النظام عليها

ومع سيطرة النظام السوري وحلفائه على درعا، تهاوى الواقع الصحي في المحافظة بشكل كبير ووصل إلى أدنى مستوياته، لاسيما بعد حملة القصف الممنهج التي اتبعتها الطائرات الروسية والسورية والتي استهدفت بها المشافي بشكل خاص وأدت إلى خروج قسم منها عن الخدمة حتى قبيل السيطرة الكاملة للنظام على المحافظة.

ولم يكتفِ النظام بقصف المشافي وتدميرها، بل عمدت قواته العسكرية على سرقة ونهب أجهزتها الطبية، دون الاكتراث لوضع الأهالي ولحاجتهم الماسة لوجود مراكز صحية تقدم لهم الخدمات الطبية، مما فاقم معاناتهم في الحصول على الرعاية الصحية في المناطق التي سيطر عليها النظام آنذاك.

ويتذمر الأهالي في المنطقة التي سيطر عليها النظام، بعد خسارة 40 مستشفى ونقطة طبية، وانحسار ضغط العمل على مستشفى بصرى الشام شرق درعا، ومستشفى طفس غربها، لا سيما بعد أن أصبح المواطن مجبوراً على دفع مبالغ مالية مقابل تلقي العلاج في مستشفى درعا الوطني، إضافة إلى افتقار مستشفيي نوى والجيزة إلى أبسط الخدمات الطبية وتحوّلهما لمستوصفات بسيطة.

وصرح “عثمان الحمد” (اسم مستعار لمصدر طبي من مستشفى طفس، والذي فضل عدم الكشف عن هويته لأسباب أمنية)، إنّ منطقة حوران عموماً تعاني من عدم وجود مستشفيات تقدم خدمات طبية للأهالي، عدا مستشفيي طفس وبصرى الشام، لاسيما بعد افتقار مستشفيي الجيزة ونوى للوازم الطبية وخروجهما عن الخدمة، إضافة إلى مستشفى درعا الوطني الذي يضطر المريض إلى شراء علاجه على نفقته الشخصية”.

وأضاف” الحمد” أنّ” مستشفى طفس قائم على جهود الأهالي وبتنسيق مع اللجنة المركزية، وهي مجموعة من وجهاء المنطقة وقادة سابقين في فصائل المعارضة، مشيراً أن الكوادر الطبية البالغ عددها 50 طبيباً وممرضاً وفنياً، تعمل بشكل تطوعي ولكنها وصلت إلى حد الإفلاس في ظل تفاقم الأوضاع الاقتصادية”.

ونوّه الحمد، إنّ مستشفى طفس سيغلق أبوابه أمام مراجعيه إذا ما استمر الوضع الطبي على ما هو عليه، ونتيجة لعدم وجود منظمة طبية تدعم المستشفى الذي يقدم خدمات إسعافية يستفيد منها 8000 مريض شهرياً، إضافة إلى 600 عملية شهرياً تتضمن عمليات جراحية وعظمية وعصبية وتوليد.

وشهد القطاع الصحي في المحافظة انهياراً كبيراً وخصوصاً مع  انتشار جائحة كورونا، والذي أضحى جلياً بعد عجز المنشآت الطبية فيها عن تقديم أدنى الخدمات للمصابين، وافتقارها لأجهزة الأوكسجين اللازمة لهم، بينما عمل الأهالي على تأمينها عن طريق المبادرات الشعبية وجمع التبرعات وشراء أعداد منها، معدّة للاستخدام، وتوزيعها على المصابين.

جهود لا تكفي!

سعت المبادرات الشعبية إلى سد النقص الحاصل في القطاع الصحي، وخصوصاً عقب سيطرة النظام السوري وحلفائه على محافظة درعا، وعملت تلك المبادرات على ترميم عدد من المشافي الخارجة عن الخدمة في مناطق جغرافية معينة تضمن تعزيز الرعاية الصحية للسكان فيها.

وبدأت لجان شعبية في بلدة الغارية الشرقية بريف درعا الشرقي في ديسمبر العام الفائت، عمليات إعادة إعمار لمستشفى الإحسان في البلدة، والتي تخطت تكلفة إعادة إعماره المليار ليرة سورية، وتهدف لإعادة إعمار المشفى وزيادة عدد طوابقه ليكون أضخم مما سبق، إذ تدمّر المشفى بشكل كلي بالغارات الروسية التي استهدفت البلدة في 27 حزيران 2018.

مشفى الإحسان في الغارية الشرقية وتظهر أعمال الترميم القائمة فيه – 2021

وجاءت عمليات الإعمار نتيجة الحاجة الملحة لوجود مستشفى في البلدة يقدم الخدمات الطبية للمرضى، مما استدعى أهالي البلدة ومغتربيها لإطلاق حملة تبرعات لجمع الأموال اللازمة لبدء العمل، بسبب عجز النظام عن ترميمه نتيجة انهياره اقتصادياً.

ودعمت منظمة “الهلال الأحمر السوري” مستشفى مدينة طفس بجهاز “غسيل كلى” إضافي، بينما ساهم الأهالي في المدينة بإعادة تأهيل معظم أقسام المشفى، ولا تزال المستشفى بحاجة إلى ترميم أجزاء من البناء الذي قصفته مدفعيات النظام السوري، وبحاجة إلى إدخال أقسام جديدة في الخدمة، وفق المصدر الطبي.

ومع انتشار جائحة كورونا (كوفيد 19)، أطلق أهالي مدينة بصرى الشام شرق درعا في آب 2020، مبادرة لجمع التبرعات، أعادوا من خلالها تأهيل مستشفى “بصرى الشام الوطني”، وذلك من أجل تقديم الرعاية للمرضى المصابين بالفيروس، و لتأمين المستلزمات الطبية والإسعافية اللازمة لهم، وشملت الأعمال صيانة ضاغط الأوكسجين، وتجهيز مكان مناسب للحجر الصحي، إضافة إلى شراء مواد للعزل ومعقمات، وبلغت التكلفة 200 مليون ليرة سورية.

وفي ذات السياق، أطلقت جهات شعبية في محافظة درعا عدداً من المبادرات للتصدي لوباء كورونا، بعد عجز مؤسسات النظام السوري على عن تأمين المستلزمات اللازمة للمستشفيات والنقاط الطبية فيها، حيث تم شراء 30 أسطوانة أوكسجين مزودة بأجهزة تنفس، إضافة إلى سيارة محملة بالأدوية في بلدة الكرك الشرقي شرق درعا، والتي وزعت مجاناً على المصابين، أما في مدينة جاسم تم شراء 10 أسطوانات، و50 اسطوانة في مدينة إنخل، وجهاز توليد أوكسجين في بلدة تسيل بريف درعا الغربي.

وتعتبر إعادة إعمار القطاع الصحي أكثر كلفةً مقارنة بغيره من القطاعات، نظراً لغلاء المستلزمات والأجهزة الطبية، مما يضاعف العبء على الأهالي والمغتربين الذين يساهمون في تأهيل المشافي. وباستثناء الهلال الأحمر السوري، تشهد درعاً غياباً لدور المنظمات الداعمة للقطاع الطبي.

وبالمقارنة مع ما قبل تموز 2018، كانت المستشفيات والمراكز الطبية في درعا مدعومة من قبل 10 منظمات ” إنسانية” مهتمة بتنمية القطاع الصحي، والتي خسرتها المحافظة عقب سيطرة النظام السوري عليها، بسبب توقيفها لبرامج تقديم المساعدات الطبية، وتوقف عمل الفرق الطبية العاملة في المنطقة خوفاً من الملاحقة الأمنيّة بعدما فرض النظام قيودًا على عمل المنظمات في المحافظة، إضافة لنزوح عدد من كوادر هذه المنظمات نحو الشمال السوري وهجرتهم لخارج البلاد.

توزيع المنظمات في محافظة درعا وعدد المشافي والنقاط الطبية التي دعمتها كل منظمة منها قبل سيطرة النظام

عواقب صعبة

أدى تراجع القطاع الطبي في محافظة درعا جنوبي سوريا إلى عواقب وخيمة على المجتمع المحلي وسكّان المحافظة، الذين أصبحوا يعانون بسبب بعد المستشفيات والمراكز الطبية المتبقية قيد الخدمة عن معظم المدن والبلدات مع اضطرار الأهالي على دفع المال مقابل تلقي العلاج في المستشفيات الحكومية، التي كانت الخدمات الطبية فيها مجانية في وقت سابق.

ويعتبر مستشفى درعا الوطني من أكثر المستشفيات تخديمًا في المحافظة ومع ذلك فإن الأهالي يشكون من سوء جودة خدماته الطبية، والرعاية الصحية فيه، ويؤدي نقص وضعف التجهيزات الطبية فيه إلى تحويل بعض الحالات الإسعافية نحو مشافي العاصمة دمشق أحيانًا، وهو ما يفسر الواقع الطبي المتردي في محافظة درعا، وفق ممرض يعمل في المشفى، رفض الكشف عن اسمه لدواع أمنيّة.

ويشكو “خالد المحمود” (41 عاماً)، (وهو اسم مستعار لمواطن قابله تجمع أحرار حوران)، من ضعف القطاع الطبي في المحافظة، إذ عانى كثيرًا في إسعاف زوجته الحامل حين موعد ولادتها إذ “كادت تفارق الحياة” بحسب وصفه، إلى أن وصلت لمشفى درعا الوطني الذي يبعد عن مكان سكنه في قرية علما الواقعة بريف درعا الشرقي، حوالي 20 كم.

ويضطر سكان قرية علما والبلدات التي في محيطها لقطع هذه المسافة الطويلة في أي حالة مرضية حرجة أو إسعافية، في ظل عدم توفر مشافي أو مراكز متخصصة بالقرب من القرية بعدما خرج مشفى الحراك الوطني، الذي يبعد عنها أقل من خمسة كيلومترات، عن الخدمة بفعل قصف النظام وروسيا خلال الحملة العسكرية في تموز 2018.

إلى جانب بلدة علما، خسرت أكثر من خمس بلدات خدمات مشفى الحراك الوطني منذ خروجه عن الخدمة مع المركز الصحي والمشفى الميداني الاحتياطي في مدينة الحراك بريف درعا الشرقي، بسبب الاستهداف المباشر من قبل المقاتلات الحربية الروسية والسورية خلال عام 2018، ومع ذلك فإن الأهالي استطاعوا بجهودهم من إعادة تفعيل المركز الصحي في الحراك ليقدم خدمات طبية بسيطة، منها لقاحات الأطفال.

وكان مشفى الحراك الوطني يوفّر خدمات طبية عديدة منها “الإسعاف، العيادات الطبية، النسائية والتوليد، جراحة (صغرى وكبرى) وغسيل الكلى” بشكل مجاني تمامًا.

فقدان هذه المشافي والنقاط الطبية أجبر الأهالي على خيار التعامل مع مشفى درعا الوطني الذي تتخذ قوات النظام السوري والأفرع الأمنيّة من طابقه الأرضي مقرات عسكرية لها، مما يجعل الكثير من مراجعي المشفى عرضة للاعتقال والتغييب القسري، وسجّل تجمع أحرار حوران العديد من هذه الحوادث راح ضحيتها شبّان كان لهم نشاط سابق خلال سنوات الثورة.

هذا التقرير هو الثالث في سلسلة تقارير تُنشر عبر موقع تجمع أحرار حوران، تتناول ملف إعادة الإعمار في محافظة درعا من خلال الجهود الشعبية، أنجَز التقرير فريق العمل بتجمع أحرار حوران (عامر الحوراني – يوسف المصلح – أيمن أبو نقطة) وبشراكة فاعلة من قبل منظمة غصن زيتون.

وأنجز هذا التقرير بدعم من الاتحاد الأوربي ومنظمة Free Press Unlimited، لكنه لا يعكس موقف الاتحاد الأوربي، ويتحمل “تجمع أحرار حوران” المسؤولية عما جاء فيه.

 بدعم من الاتحاد الأوروبي

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى