استياء شعبي متصاعد في سوريا بسبب غياب خطوات العدالة الانتقالية

تجمع أحرار حوران – يوسف المصلح
رغم التغيرات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط النظام السابق، إلا أن أصوات ذوي الضحايا والناشطين الحقوقيين لا تزال ترتفع مطالبة بتحقيق العدالة الانتقالية، وسط خطوات خجولة من الحكومة الجديدة في هذا الاتجاه.
ومع مرور الوقت، يتصاعد الاستياء الشعبي بسبب ما يعتبره كثيرون تجاهلاً لمعاناة الآلاف من العائلات التي فقدت أبناءها في سنوات الحرب والانتهاكات.
وفي هذا السياق، قال المحامي “طارق أمين” لتجمع أحرار حوران إن سوريا تشهد مرحلة حساسة من التحول السياسي بعد التغيير في بنية الحكم، وسط تطلعات شعبية لتحقيق العدالة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي ارتُكبت خلال السنوات الماضية، غير أن ممارسات الحكومة الجديدة تثير جدلاً متزايداً، خصوصاً في تعاملها مع بعض الشخصيات التي تدور حولها اتهامات بالتعامل مع النظام السوري السابق وحلفائه روسيا وإيران.”
وأضاف” نلاحظ أن بعض هؤلاء الأفراد لا يزالون يتعاملون مع السلطة الجديدة بشكل مباشر أو غير مباشر، ما يُعد في نظر كثيرين تجاوزاً لمبادئ العدالة الانتقالية، التي تُعتبر أداة أساسية لتحقيق الاستقرار الوطني، وترتكز على محاسبة الجناة، وكشف الحقيقة، وجبر ضرر الضحايا، مشيراً أن تجاهل هذه المبادئ قد يؤدي إلى تقويض ثقة المواطنين.”
وشبه المصدر المرحلة الحالية، بأن الحكومة استلمت سوريا كالسفينة التي تحتوي على عدة ندبات كلها حساسة وكلها تحتاج إلى إصلاح، وبعض من تسببوا في أضرارها لا يزالون على متنها، ولكن إن لم تُعالج هذه الندبات بحكمة وعدالة، فإن خطر الغرق لا يزال قائمًا، مهما بدا البحر هادئًا.”
ولضمان استمرارها ووصولها إلى بر الأمان أولاً، قد تتبنى الحكومة الجديدة نهج ‘الاستقرار أولاً’، حيث تُفضل تعزيز بناء الدولة الجديدة، توطيد الأمن والاستقرار المجتمعي، والاستمرار حالياً في ملاحقة مرتكبي الجرائم المؤكدة أولاً، ومن ثم إجراء ملاحقات ومحاكمات قانونية للمتهمين، خاصة إذا لم تُنشئ الحكومة الجديدة لجان تحقيق مستقلة، أو محاكم خاصة، أو برامج لذلك، فإن التعامل مع كل المتهمين بشكل ميداني، قد يُفسر كفشل قانوني، أو تجاهل لمتطلبات العدالة الانتقالية التي يراقبها المجتمع الدولي في أي حالة تغير، ويبدو أن الحكومة الجديدة تحاول جاهدة لاتخاذ مسار المحاكمات القانونية والابتعاد عن نهج العداء أو الثأر أو الانتقام.
من جانبه، أكد الناشط الإعلامي “عمار خصاونة” أن العدالة الانتقالية ليست خياراً سياسياً بين بدائل، بل ضرورة وطنية وأخلاقية تضمن ألا تتكرر المأساة، وتؤسس لسلام حقيقي قائم على الحقوق، لا على التوازنات الهشة، مضيفاً أن غياب العدالة الانتقالية في سوريا حتى اليوم ليس مجرد تأخير في المسارات القانونية، بل هو إطالة أمد جرح وطني عميق لم يلتئم، وتهديد لأي إمكانية حقيقية لبناء مستقبل سليم.
وأوضح أنه وفي ظل هذا الغياب، تستمر معاناة الضحايا وذويهم، وتبقى الأسئلة المعلقة عن الحقيقة والمحاسبة دون إجابات. أما محاولات تجاوز هذا الملف أو القفز فوقه تحت أي مبرر، فهي لا تمثل حلاً، بل تؤسس لمرحلة هشّة قد تعيد إنتاج أسباب الصراع.
ويبدو أن حجم التحديات التي قد تواجهها الدولة السورية الجديدة في إنجاز هذا الاستحقاق كبير جداً، وقد يكون هنالك معوقات وظروف معقدة، لكن هذا لا يغيّر من حقيقة أن العدالة الانتقالية حق لا يسقط بالتقادم، وهو اختبار لمصداقية أي حديث عن دولة القانون والمؤسسات، مؤكداً على ضرورة دعم الدولة السورية في كل ما تواجه والسعي معها لبناء سوريا الجديدة، بحسب وصفه.
واستشهد “الخصاونة بالتاريخين العربي والإسلامي فمن وجهة نظره، فهي تعطي دروساً قاسية في أن غياب العدالة يولّد أحقاداً كامنة قد تنفجر في أي لحظة، وأن الأمن لا يُشترى بالسكوت على المظالم، بل يُبنى على الاعتراف بها ومعالجتها بشجاعة، فذوي الضحايا لم يطالبوا يوماً بالثأر، بل طالبوا بالحق والحقيقة، وإنكار هذا الحق أو تأجيله بلا أفق واضح، قد يدفع نحو مشاعر فقدان الثقة والشعور بالخذلان، وهو ما يهدد أي مشروع للاستقرار.”
ومن خلال طرح تجمع أحرار حوران أسئلة عن تحقيق العدالة الانتقالية لعدد من الصحفيين والناشطين، يرى قسم منهم، أن الحكومة السورية تسير في خط موازٍ، يحاول إعادة تأهيل رموز النظام السابق تحت شعارات الاستقرار والتنمية، مما قد يزيد من حالة الانقسام داخل المجتمع السوري، ويقوض فرص بناء دولة قانون ومؤسسات حقيقية.
فيما يرى آخرون، أن المرحلة التي يعيشها السوريون الآن هي الأفضل منذ عقود، ويجب عليهم وضع ثقتهم في قرارات الحكومة الحالية لبناء مجتمع سوري يحترم جميع السوريين ويقوم على الاستقرار والتنمية، بعيداً عن أجواء الحرب والانقسام، ويعتقد هؤلاء أن فرص عودة الحياة الطبيعية أصبحت أكثر واقعية، شريطة أن تتضافر الجهود بين الدولة والمواطنين، وأن تسود لغة الحوار والتفاهم في معالجة التحديات المتبقية، سواء على الصعيد الأمني، الاقتصادي، أو الاجتماعي.
وفي ظل هذه الآراء المتباينة، لا تزال الحكومة السورية الجديدة أمام اختبار حقيقي في كيفية معالجة ملف العدالة الانتقالية، وسط أنظار الضحايا، والمجتمع المحلي، والدولي على حد سواء.