صلف روسي .. وهدنة من ورق !
تجمع أحرار حوران
بقلم : أبو ربيع الحوراني
بعد خمسة عشرة يوماً من التداول بشأنه وثلاثة أخرى على تبنيه في مجلس الأمن خرج القرار الدولي 2401 هزيلاً ولم يرتقِ لحجم المعاناة والمأساة التي يعيشها السوريون ولا يعبر عن تطلعاتهم وآمالهم بوقف القتل بل حمل في طياته الكثير من الثغرات القاتلة بعد أن أدخلت عليه روسيا تعديلاتها التي أفرغته من مضمونه وأفقدته صفة ومقومات القرارت الدولية الفاعلة والملزمة بهذا الخصوص حتى غدى حبراً على ورق ولم يستحق التغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها .
هذا القرار التي تقدمت به كل من الكويت والسويد والذي يدعو لإيقاف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المحاصرين في الغوطة الشرقية بغية التخفيف من الأوضاع المأساوية التي يعيشها المدنيون المحاصرون هناك منذ أربعة أعوام ويتعرضون منذ أيام لقصف وحشي مكثف وغير مسبوق من قبل قوات الأسد ما أدى لاستشهاد المئات منهم وجرح الآلاف .
هذا المشروع الذي عارضته روسيا بنسخته الأولى وطالبت بإجراء تعديلات عليه واستثناء عدد من الفصائل الثورية التي تقاتل قوات الأسد والمحسوبة على المعارضة دون تسميتها ما يسمح لقوات النظام باستهداف ما تشاء من الفصائل بذريعة انتمائها أو تواصلها مع “تنظيم داعش” أو “جبهة النصرة” وإضافة فقرة أخرى تشجب قصف الفصائل الثورية للأحياء السكنية والسفارة الروسية في العاصمة دمشق .
لقد سبق واستخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) 13 مرة ضد مشاريع قرارات سابقة كانت قد دعت لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات للمدنيين المحاصرين في الغوطة وغيرها من المناطق الأخرى بالإضافة لاستخدامها هذا “الفيتو” ضد مشاريع قرارات أخرى اُتهمت فيها قوات النظام باستخدامها السلاح الكيماوي ضد المدنيين السوريين في أكثر من مكان وذلك منعاً لإدانة “الأسد” وأركان حكمة ومحاسبتهم لاحقاً أمام المحاكم الدولية .
هذا الغطاء اللاأخلاقي الذي توفره روسيا في مجلس الأمن كل مرة هو من شجع قوات الأسد على التمادي وارتكاب المزيد من المجازر شبه اليومية بحق المدنيين السوريين العزل ومنح النظام نفسه هامشاً كبيراً لرفض ونقض كل الاتفاقات التفاهمات الثنائية وخرق القرارات الدولية ذات الصلة .
إن أسوء مافي القرار هو أنه لم يكن ملزماً للأطراف ولا يتضمن آلية عمل تحدد موعداً لتنفيذه على الأرض لاحترامه والالتزام به من قبل الجميع بل حمل طابع التمني على هذه الأطراف لتطبيقه ، وهذا ما أعطى قوات النظام هامشاً كبيراً وفرصة من ذهب لمتابعة حملتها العسكرية الشرسة بقصف جوي عنيف وغير مسبوق طال كافة مدن وبلدات الغوطة مع اللحظات الأولى التي أعقبت تبني مجلس الأمن لهذا القرار وذلك في رد واضح وتحدٍ صريح على الأمم المتحدة وقراراتها .
لقد استطاعت روسيا بسياستها الماكرة فرض تعديلاتها على القرار والإفلات من استخدامها “الفيتو” خوفاً من مواجهة قوية مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي واستطاعت التوصل مع كافة الأطراف على توافق نهائي على صيغة القرار وبهذا تكون قد فوتت الفرصة على الولايات المتحدة وبعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا من اتخاذ أي إجراء عسكري خارج نطاق مجلس الأمن فيما لو رفضت القرار .
في كل مرة تثبت روسيا أنها طرفاً أساسياً في الأزمة السورية وداعماً قوياً للنظام لا طرفاً نزيهاً ومحايداً كما تدعي لأنها توفر للأسد وأركان حكمه الحماية الكافية والملاذ الآمن للإفلات من العقاب وهذا ما حال دون تبني مجلس الأمن أي قرار لإدانته ومحاسبته دولياً على جرائمه البشعة التي ارتكبها بحق شعبه وهذا ما جعله يتمادى في بطشه وتعنته أكثر فأكثر .
في حين لم يكن للتهديد والوعيد الذي تضمنته التصريحات النارية التي أطلقتها مندوبة الولايات المتحدة لدى مجلس الأمن أي تأثير أو أهمية بعد انصياعها أخيراً للتحفظات والتعديلات الروسية على صيغة مشروع القرار في نسخته الأولى ما أفقد واشنطن مصداقيتها وأظهرها بموقف الضعيف الذي لا حول له ولا قوة بسبب مواقفها السياسية المتناقضة وغياب أية رؤية استراتيجية لها تجاه ما يجري في سوريا وهذا ما أعطى روسيا هامشاً كبيراً للتحكم في إدارة الملف السوري سياسياً وعسكرياً حيث ظهرت كلاعب وحيد دون منافس .
لم تأتِ الحملة العسكرية الشرسة على الغوطة من فراغ ، بل أتت كون الغوطة هي اكبر معاقل فصائل المعارضة السورية المتبقية حول العاصمة دمشق وتشكل تهديداً مباشراً على نظام الأسد داخل العاصمة ولهذا تسعى قوات النظام بدعم روسي وايراني للسيطرة عليها وطرد اهلها واستبدالهم بعائلات وميليشيات طائفية وذلك استكمالاً لسياسة التهجير والتغيير الديمغرافي الممنهج الذي سبق واتبعه النظام في العديد من مناطق ريف دمشق بهدف تأمين حزام امني حول العاصمة لحماية الأسد وأركان حكمه من قبل هذه الميليشيات .
وفي النهاية لابد من القول أن التوافق الدولي على هذا القرار المجحف وغير المتوازن لم يكن إلا لعبة مكشوفة بامتياز قد خطط لها بعناية وربما بتنسيق مسبق مع روسيا وذلك تبريراً لفشل المجتمع الدولي بأداء واجباته ومسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه ما يجري في سوريا بعد أن عجز وعلى مدار 7 سنوات مضت من وقف شلال الدم السوري وردع القتلة والمجرمين وسوقهم للمحاكم الدولية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه .!
تنويه : المقال يُعبّر عن رأي كاتبه، وتجمع أحرار حوران ليس مسؤولاً عن مضمونه.