تقاريرتقارير ميدانية

الصراع على درعا.. تشابك السياسة والمصالح الإقليمية ورمزية مهد الثورة

تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني

تعتبر محافظة درعا المنفذ البري الوحيد الذي يربط سوريا مع الأردن والسعودية ودول الخليج العربي، إضافة لغنى المحافظة بالعوامل الاقتصادية المهمة وعلى رأسها الزراعة والمناخ الملائم للاستثمارات خاصة بعد الحرب التي امتدت لنحو 10 سنوات، وفوق ذلك كله فإن لدرعا رمزية مهمة أنها مهد الثورة السورية، والتي لم تهدأ ثوريتها حتى الآن على الرغم من العديد من التسويات التي تمت من قبل النظام والعديد من الحملات العسكرية المدعومة إيرانياً وروسياً.

رمزيتها الثورية باتت محل استهجان واستغراب في ظل المحاولات العديدة للنظام السوري وإيران لترويض المحافظة وأبنائها الذين خسروا معركة واحدة، فيما بقوا يعيشون حالتهم الثورية، حتى شبههم البعض بإيرلندا الشمالية التي واجهت بريطانيا العظمى لسنوات طويلة تحت شعار الحرية حتى نال أهلها حريتهم، ويعتقد من شبهوها أن أبناء درعا سينالون حريتهم أيضاً.

من جهة ثانية، فإن الموقع الاستراتيجي لمحافظة درعا بات يشكل محور اهتمام للدول الإقليمية، والدول الكبرى، فهي منفذ سوريا الوحيد، ولم يتنجح فكرة افتتاح معبر خلال الحرب بين الأردن والسويداء كما سعى بعض أتباع النظام لاستغلال إغلاق معبر نصيب، وهذا ما عزز من أهمية هذا الموقع.

محاولة لجعل درعا منطلق الحل السياسي
في العام 2017، تم وضع العديد من السيناريوهات لمحافظة درعا، بهدف جعلها محافظة مستقرة بعد أن كانت السبب باشتعال سوريا ضد نظام الأسد، فمن سيناريو تقاسم السلطة بين النظام والمعارضة التي كانت تسيطر على معظم المحافظة آنذاك، إلى سيناريو تقاسم أرباح معبر نصيب الحدودي الذي رفضته المعارضة، وصولاً للحملة العسكرية في تموز/يوليو 2017 بدعم جوي روسي وميليشياوي أرضي إيراني، وتخاذل من المعارضة والتي انتهت بالتسوية الأولى الكبرى، والتي اعتقد النظام والروس أن الحل السياسي بعدها بات مضموناً بين أيديهم وباتوا قادرين على فرضه وفق شروطهم على السوريين والمجتمع الدولي.

إلّا أن الوقائع أثبتت عكس ذلك، فلا يزال أبناء المحافظة ينتفضون بمختلف الأشكال حتى الآن في وجه النظام ومحاولات التمدد الإيراني لبسط السيطرة على محافظتهم وجعلها رأس حربة في صدور الدول العربية المجاورة وعلى رأسها الأردن والمملكة العربية السعودية.

لذلك سعى النظام إلى وسائل مختلفة لتحييد درعا تماماً، وذلك من خلال إيجاد الذرائع بوجود جماعات مسلحة وشن حملات عسكرية خاصة ضد درعا البلد وطفس، والسعي لتسهيل تهجير أبناء المحافظة طوعياً، وعلى الرغم من ذلك لا تزال سيطرته عليها محل شك كبير خاصة وسط الهجمات المستمرة على قواته في مختلف مدنها وبلداتها.

الحل العربي المتعثر
صحيفة “عكاظ” السعودية، أشارت في مقالها بتاريخ 26 تموز/يوليو الحالي، إلى أن الحل العربي للأزمة السورية يتعثر، ولفتت الصحيفة إلى الرؤية العربية التي قادتها المملكة العربية السعودية تقوم على أساس أن استمرار الأوضاع على ما هي عليه لا يخدم أي طرف من الأطراف، وبالتالي يجب إنهاء معاناة الشعب السوري وإيجاد حل سلمي للأزمة، ومن هنا جرى استعادة مقعد سوريا في الجامعة العربية ومشاركة رأس النظام السوري في اجتماعات القمة. ومن هنا قادت المملكة العربية السعودية وبجهد كبير من ولي العهد محمد بن سلمان دبلوماسية نشطة لصياغة رؤية عربية وتكرّس ذلك في اجتماع جدة واجتماع عمان.

الاجتماعات التي سبقت القمة العربية الأخيرة، كانت قد اعتمدت الخطة التي طرحتها المملكة الأردنية الهاشمية تحت عنوان “خطوة مقابل خطوة”، والتي تم أخذ عنوانها من مقاربة المبعوث الدولي الخاص لسوريا، غير بيدسون، والتي تقوم على بناء حل يفصل معضلات الأزمة بعضها عن بعض وتقديم رؤى مباشرة لحلها، وفي كل خطوة يجب أن يقدم النظام السوري على إجراءات تؤدي إلى حل لهذه المعضلة أو على الأقل خطة من أجل حلها.

وحتى لا يبقى الكلام عمومياً فإن هناك ملفات أساسية في الأزمة السورية. فأساس الحل كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي ومن قلب العاصمة السورية دمشق هو قرار مجلس الأمن رقم 2254، وهذه مسألة جوهرية؛ لأن الدول العربية تدرك جيداً أنها لا تعمل في الفراغ وبالتالي لا بد أن يكون هناك إطار يسمح بتكوين رؤية للحل تكون مقبولة من المجتمع الدولي، والحقيقة أن النظام السوري لم يبدِ موافقته على أفق الحل المقترح عربياً بشكل صريح وواضح مما دفع المجتمع الدولي إلى حالة من الشك بإمكانية نجاح الدول العربية بإقناع النظام بهذا الإطار الجامع، بحسب الصحيفة.

وفي هذا السياق، فإن النقطة التي كانت أكثر إلحاحاً من قبل الأردن والسعودية هي قيام النظام السوري بوضع حد لعمليات تهريب المخدرات التي تنطلق من الجنوب السوري وتحديداً من محافظتي درعا والسويداء، وتم عقد لقاءات سورية أردنية عديدة من أجل هذا الهدف، إلا أن النظام السوري لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه حتى الآن، ولم تتوقف شحنات المخدرات عن العبور إلى الأردن والسعودية، اللتان تحبطان في كل أسبوع تقريباً عمليات تهريب قادمة من سوريا.

وبحسب معلومات “تجمع أحرار حوران”، فإن النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانية يعمدون إلى أساليب جديدة للتهريب أبرزها التهريب عبر طائرات الدرون لسهولتها وسرعتها في عبور الحدود من جهة، وانخفاض تكلفتها من جهة أخرى.

ومن هنا يظهر التشابك في المصالح في محافظة درعا، فالنظام والإيرانيون يسعون لجعلها مركز المخدرات الأكبر في المنطقة، فيما يحاول العرب جعلها منطقة مستقرة بكل اتجاهاتها لتكون مقدمة للحل وبدء عودة اللاجئين، وهذا التشابك وعدم وفاء النظام بتعهداته يجعل من الحل السياسي بعيداً ويجعل من المبادرة العربية للحل كإلقاء حجر في المياه الراكدة لتحريكها دون تنقيتها.

درعا.. عود على بدء
في الوقت الذي تبدو فيه سوريا مقسمة إلى عدة مناطق سيطرة، وهذا هو الواقع، تبقى محافظة درعا وحدها المحافظة التي تحتفظ بثوريتها الساكنة حالياً دون أن تحمل أي ولاءات لأي جهة، كما هو الحال في الشمال، والشمال الشرقي من سوريا.

لذلك لا يزال النظام ومن خلفه الروس والإيرانيون ينظرون إليها على أنها الخطر الأكبر الذي يمكن أن ينفجر في وجوههم مرة أخرى، وكما تحدث مصدر مطلع لـ”تجمع أحرار حوران”، فإن خروج محافظة درعا من دائرة الولاءات وإن تسبب بخسارة كبيرة في تموز/ يوليو 2018، إلا أنها نقطة إيجابية مهمة للغاية، فهي قادرة على بعث الثورة من الرماد من جديد بعد أن عرف أبناؤها أولاً، والسوريون ثانياً أنه لن ينصر السوريين إلا السوريون أنفسهم، وهنا تمكن رمزية الثورة في درعا، وهي القدرة على الانبعاث في الوقت الذي يعتقد الجميع أن كل شيء انتهى.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى