تقاريرتقارير ميدانية

درعا : تلوث في مياه الشرب والتهاب الكبد في ازدياد

تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني

لا تزال الخدمات في مركز مدينة درعا تتعرض للانتكاسة تلو الأخرى على الرغم من ادعاءات السلطات المحلية التابعة للنظام السوري بالقيام بعمليات صيانة للبنية التحتية، والخدمات الرئيسية، فمع اشتداد حر الصيف بدأت أعطال شبكتي المياه والكهرباء بالعودة مجددًا إلى المدينة التي تخضع لسيطرة النظام.

إلا أن الأهالي في المدينة اعتادوا خلال السنوات الماضية على انعدام هذه الخدمات أحيانًا، ولكن الجديد فيها هو عطل في شبكة المياه في “حي شمال الخط”، في المدينة أدى لاختلاط مياه الشرب بالمياه العادمة “مياه المجاري”، وهذا العطل حسب مختصين عادة ما يكون ناتجًا عن تسرب للمياه العادمة إلى شبكة مياه الشرب ما يؤدي إلى الاختلاط وتلوث مياه الشرب وتحولها لخطر كبير يهدد صحة الأهالي.

التهاب الكبد ينتشر في الحي الملوث
بحسب مصادر خاصة لـ”تجمع أحرار حوران” فإن تلوث مياه الشرب بدأ قبل أكثر من عشرة أيام، إلا أن معظم الأهالي لم يتنبهوا في البداية إلى ذلك، واستمروا خلال الأيام الأولى باستخدام المياه للشرب والطبخ والاستعمالات الأخرى، إلا أن حالات مرضية بدأت بالظهور بعد نحو أسبوع من اكتشاف التلوث دفعهم للتوقف عن استخدامها.

ما يزيد عن 31 حالة من الحي نفسه معظمهم من الأطفال جرى إسعافهم إلى المشفى الوطني في درعا، بعد أعراض تمثلت بارتفاع في درجات حرارة الجسم، والتقيؤ الشديد، ليتم التشخيص لهذه الحالات أنها التهاب في الكبد نتيجة تلوث مياه الشرب بالمياه العادمة.

أم خليل -اسم مستعار- وخلال حديثها لـ”تجمع أحرار حوران” قالت إنها اكتشفت التلوث عندما كان دور مياه الشرب في الحي قبل عشرة أيام، فعندما فتحت صنبور الماء انبعثت منه رائحة كريهة، ثم نزلت المياه وكانت ملوثة وكان من الواضح أنها مختلطة بالمجاري، وأشارت إلى أنها لم تستخدمها منذ ذلك اليوم.

وأضافت أم خليل أنه بعد أيام من تلوث المياه قام أحد جيرانهم بإسعاف اثنين من أطفاله إلى المشفى الوطني في مدينة درعا، واكتشف الأطباء أنهم مصابون بالتهاب الكبد نتيجة تلوث المياه، مؤكدة أن أحد الطفلين لا يزال حتى لحظة إعداد هذا التقرير في حالة صحية سيئة ويتعالج باستخدام الأدوية والسيرومات.

من جهته، أكد عروة -اسم مستعار- لـ”تجمع أحرار حوران” أن سيارات الإسعاف في كل يوم تقريبا تقوم بإسعاف شخصين أو ثلاثة من الحي نتيجة الأعراض التي يعاني منها جميع المصابون، وبعض حالات الإسعاف تجري في الليل، وبين أن أحد المصابين وهو طفل من أبناء أحد معارفه، وأيضا تبين أنه مصاب بالتهاب الكبد.

وأضاف عروة، أنه بعد إجراء إحصاء في الحي الملوث، فإن الحالات التي أصيبت بالتهاب الكبد تزيد عن 31 حالة معظمهم من الأطفال، وأن بعضهم لا يزالون يخضعون للعلاج سواء في المشفى أو في منازل ذويهم.

تكتم حكومي ولا صيانة حتى الآن!
على الرغم من الزيادة الواضحة في الإصابات بالتهاب الكبد في حي شمال الخط، إلا أن السلطات المحلية الممثلة، بمحافظة درعا ومجلسها، ونقابة الأطباء في المحافظة لم يعلنوا عن وجودها، كما لم يحذروا الأهالي بأي طريقة توعوية لعدم استخدام المياه، أو أي طرق وقائية أو إسعافية في حال الشعور بأعراض التهاب الكبد.

أيضًا وعلى الرغم من عدة شكاوى تقدم بها أهالي الحي إلى مؤسسة المياه في درعا كجهة مسؤولة عن صيانة أعطال شبكات المياه، إلا أن المؤسسة لم تقم بواجبها بالكشف والصيانة، وهو ما يراه الأهالي استهتارا بصحتهم وصحة أطفالهم.

اقرأ أيضًا.. درعا: عشرات حالات التسمم جراء تلوث المياه.. ومدير المياه ينصح بمغادرة البلد!

حاول تجمع أحرار حوران بعدة وسائل التواصل مع موظفين وكوادر طبية في المشفى الوطني، إلا أنهم رفضوا التصريح حول الحالات المرضية المنتشرة، ليكتفي التجمع بشهادات الأهالي حول ما يجري.

وحول الشكاوى المقدمة لمؤسسة المياه، أكد أبو عبدالله -اسم مستعار- في حديثه لـ”تجمع أحرار حوران” أنه تم تقديم أكثر من شكوى للمؤسسة منذ بداية اكتشاف التلوث في مياه الشرب، وهناك وعود من المسؤولين بإجراء الصيانة اللازمة، إلا أنه لم يتم ذلك حتى تاريخ إعداد هذا التقرير.

وحمّل أبو عبدالله بالنيابة عن أهالي الحي السلطات المحلية المسؤولية عن هذا التلوث الذي هو نتيجة لإهمال متراكم في فحص شبكات المياه، وتجاهل لما يتعرض له الأهالي، وعلى رأسهم مجلس المحافظة والمنظومة الطبية ومؤسسة المياه.

بدائل مكلفة
لا تقتصر معاناة أهالي حي شمال الخط على تلوث المياه فحسب، فهناك معاناة أخرى تتمثل بتأمين البدائل من المياه الصالحة للاستعمالات المنزلية ومياه الشرب، والتي باتت مرتفعة الثمن بالقياس إلى تدني الدخل والوضع الاقتصادي السيء الذي يعاني منه المواطن السوري بشكل عام.

ونؤكد أم رامي -اسم مستعار- في حديثها مع “تجمع أحرار حوران” أن الأهالي يلجأون لشراء صهاريج المياه من أجل غسل الخزانات وتعبئتها، مبينة أن سعر صهريج الماء سعة “2 متر مكعب” تصل إلى 30 ألف ليرة سورية، وهو مبلغ مكلف بالنسبة لمعظم الأهالي.

من جهته أكد محمود المصري لتجمع أحرار حوران أنه فئة قليلة من الأهالي وخاصة من أصيب أبناؤهم بالتهاب الكبد يقومون بشراء عبوات المياه المعبأة “مياه بقين” لأنها معقمة بشكل أكبر، مشيرًا إلى أن سعر العبوة سعة 1.5 ليتر يصل إلى 2500 ليرة سورية، وتحتاج الأسرة في الحد الأدنى يوميا إلى 6 عبوات، وهو ما يشكل عبئًا ماديًا كبيرًا عليهم.

يعتبر الأهالي أن ما يجري بات أكبر من كونه مشكلة، فهم يرون أنهم يعيشون مأساة نتيجة تقصير السلطات المحلية الواضح في تقديم الخدمات التي تقع على عاتقها، ومبينين أن هذه السلطات تحاول إظهار أن هناك جوانب إيجابية في المحافظة، في الوقت الذي تعاني المحافظة من نقص كبير في مختلف الخدمات الرئيسية، وأن وعود مسؤولي المحافظة لا تعدو عن كونها إبرًا لتخدير الأهالي عن واقع اقتصادي وخدمي سيء ومستمر منذ أكثر من 10 سنوات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى