تقاريرتقارير ميدانية

بعد الزلزال.. انتشار إيراني في درعا وحلب وجهود عربية أخيرة

تجمع أحرار حوران – راشد الحوراني

لا تزال تبعات الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا تتوالى منذ السادس من شهر شباط الجاري على مستويات عدة، لكن التداعيات الأبرز كانت في تغيير السياسة الدولية والعربية تجاه النظام السوري، إذ تم منح رخصة من وزارة الخارجية الأميركية للنظام كتخفيف من عقوبات قيصر المفروضة عليه، أيضًا كان الانفتاح الرسمي العربي على النظام لافتًا سواء من خلال تلقي رأس النظام اتصالات وبرقيات للتعزية، أو من خلال الزيارات التي قام بها مسؤولون عرب إلى دمشق.

لكن في مقابل ذلك فإن الزلزال كان سببًا مهمًا لإعادة تشكيل أولويات الانتشار الأمني والعسكري في سوريا، خاصة بالنسبة لإيران التي من الواضح أنها المستفيد الأكبر على الأرض، فروسيا غارقة في مستنقع الحرب الأوكرانية وهي غير قادرة على التحرك في سوريا، والولايات المتحدة وحلفاؤها “قسد” باتوا ضمن إطار محدد على الأرض، فيما توقفت التحركات التركية لتنفيذ أي عملية عسكرية في الشمال السوري، لتبقى إيران وأذرعها داخل المؤسسة العسكرية والأمنية السورية تمتلك المساحة الأكبر للتحرك.

من حلب إلى درعا.. ظهور علني وتعزيز للقوات
بشكل عام، أدى الزلزال إلى توقف أي تحركات عسكرية في سوريا، باستثناء إيران وميليشياتها التي أظهرت توسعها في حلب من خلال زيارة قائد فيلق القدس الإيراني، إسماعيل قاني للمدينة حتى قبل أن يزورها رئيس النظام، والذي رافقه في الزيارة قادة من قوات الحشد الشعبي العراقي الذراع الخارجي الجديد للحرس الثوري الإيراني، في رسالة تؤكد أن حلب باتت ضمن الحزام الإيراني في سوريا سواء عسكريا أو دبلوماسيا بعد أن افتتحت طهران فيها قنصلية قبل عدة سنوات.

درعا والجنوب السوري، لها نصيب من التعزيزات الميليشياوية الإيرانية، إذ استغلت هذه الميليشيات الانشغال الدولي بآثار الزلزال في اتجاهين، الأول استئناف تهريب المخدرات إلى دول الجوار وسط إعادة تشكيل بعض المجموعات خاصة في اللجاة بعد تدريبات أجراها عدد من العناصر التابعين لحزب الله اللبناني في معسكرات الحشد الشعبي في العراق.

والثاني، انتشار أمني كثيف لقوات النظام على طول الأوتستراد الدولي دمشق – عمّان بدءاً من حاجز منكت الحطب وصولاً إلى جسر خربة غزالة، مع تحصين مواقع قوات النظام على طول الأوتستراد.

شملت التعزيزات التي وصلت من الفرقة 15 في ازرع عناصر مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة تمركزت في عدد من النقاط المنتشرة في المنطقة ومن أبرزها مجمع الغزالي القريب من قرية قرفا، كما استحدثت تلك القوات مواقع جديدة لها.

وبحسب معلومات خاصة بـ”تجمع أحرار حوران”، فإن المجموعات التي وصلت إلى المنطقة تتبع عملياً للفرقة الرابعة وجرت عملية تحصين المواقع وتعزيزها بتنسيق وإشراف مباشر من الفرقة الرابعة والميليشيات الإيرانية في المنطقة.

المعلومات أشارت إلى أنّ الغرض من هذه التعزيزات التي ستتمركز في المنطقة بشكل دائم حماية طريق التهريب ونقل الحشيش والمواد الأولية اللازمة لصناعة الكبتاجون إلى المنطقة وضمان عدم استهدافها، لا سيما بعد أن جرى استهداف حافلة مبيت بالقرب من خربة غزالة قبل أقل من شهر.

ويأتي ذلك في الوقت الذي أعادت الفرقة الرابعة نشر مقر عسكري لها في معبر نصيب الحدودي بعد أن أعلنت الانسحاب من المنطقة قبل أقل من سنتين.

إيران تفرض نفسها أمام كل الحلول
جاءت كارثة الزلزال كفرصة يحاول العرب استغلالها لإيجاد مخرج ما للحالة السورية الراهنة، إذ زار مسؤولون عرب دمشق لأول مرة، كما تلقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، العديد من الاتصالات من قادة دول عربية، حاول الأسد إبرازها على أن العزلة التي فُرضت عليه منذ العام 2011 بدأت بالانفكاك.

أيضًا تصريحات بعض المسؤوليين العرب، وعلى رأسهم وزير الخارجية السعودية، فيصل بن فرحان أخيرا، بأن العرب يشعرون أنه لا بد من الحوار مع دمشق في مرحلة ما لإيجاد حل للأزمة الإنسانية وإعادة اللاجئين جاءت لافتة في الوقت الذي كانت السعودية تعارض أي اتصال مع نظام الأسد.

كما أن هناك تقارير تشير إلى زيارة سيقوم بها الأسد خلال ساعات أو ربما أيام قليلة إلى سلطنة عُمان، وإلى دولة الإمارات العربية المتحدة، تأتي في سياق الحل العربي الذي بات مطروحًا مؤخرا.

لكن في مقابل كل ذلك، لم يتم الإعلان من الدول العربية عن الأساس المعتمد في هذا الحل، هل سيكون وفق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، أم أنه سيكون على أساس آخر من الممكن أنه مناسب لنظام الأسد بشكل أكبر، أم أن ما يبادر به العرب لا يتعدى تقديم مساعدات إنسانية إضافة إلى تطبيق خطة قريبة الأجل لإعادة اللاجئين السوريين في دول الجوار، لكن حتى في ذلك لم يتم الحديث حتى الآن عن أي آليات أو ضمانات لإعادة اللاجئين.

وفي مقابل كل ذلك، فإن إيران تعمل على استغلال الزلزال وما نتج عنه للتأكيد على ما تتمتع به من نفوذ ودور قيادي مهم هي قادرة على لعبه في المرحلة المقبلة وفق خطة توسيع الانتشار التي تعمل عليها بشكل متناغم مع أي تطورات أو أحداث في سوريا.

الخيارات الصعبة
الزلزال وضع المجتمع الدولي بشكل عام فيما يشبه المأزق بالنسبة للحالة السورية، فالكارثة إنسانية بالدرجة الأولى وهذا ما دفع إلى المطالبات برفع الحصار والعقوبات المفروضة على النظام السوري، وإدخال المساعدات الإنسانية، ونتيجة لذلك جاء القرار الأميركي بالسماح بإدخال مساعدات بمثابة ثغرة مهمة عمد النظام لاستغلالها من جديد سياسيًا لتعويم نفسه على الأقل إقليميًا وعربيا.

ومن الواضح أنه نجح إلى حد ما بهذا الاستغلال، لكن بحسب مختصين فإن الدول العربية أيضًا مضطرة للتعامل مع النظام السوري بعد الكارثة، فاستمرار نبذه كما في السابق سيذهب بسوريا إلى الحضن الإيراني إلى غير عودة وهذا هو الخيار الأصعب، إذ سيحول سوريا إلى محافظة إيرانية بشكل كامل، ويعزز الوجود الإيراني في سوريا دون أي مقاومة من العرب.

أيضًا بدأت الانقسامات تظهر حول الحالة السورية بين العرب أنفسهم، واستمرار الانقسام سيخلق أزمة عربية عربية، وترك سوريا إلى مصيرها بعيدًا عن العرب بشكل نهائي أمر غير مقبول بالنسبة للعرب إذ أنه سيشكل خطرًا كبيرًا على الأمن القومي العربي.

من الواضح أن الكارثة الأخيرة زادت من تعقيد الحالة السورية بالنسبة للعرب، وجاءت كانفراجة جديدة لإيران لتعزز من انتشارها في سوريا خاصة في حلب والجنوب السوري، لذا بدأ العرب العمل بجهود بُنيت على ما يُعرف بـ”دبلوماسية الكوارث” للتدخل الأخير ربما لمحاولة إعادة سوريا إلى الصف العربي، مع بقاء سؤال مهم، هل تقبل إيران بهذه العودة خاصة بعد كل خسائرها في سوريا التي بذلتها للوصول إلى ما هي عليه الآن؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى