تقاريرتقارير وقصص إنسانية

قتلوا والدي وأخي وسرقوا أموالنا !


بقلم: إبراهيم الخطيب


“أرجوك عُد، سأعاملك كما تريد وأهبك مصروفي الشخصي وأمنحك الدلال الذي يليق بك، لا تذهب وتتركني وحيداً بلا سند، أنت أخي وشقيقي ومهجة الروح، كيف لهؤلاء الأشباح أن يقتلوا ملاكاً مثلك! وكيف للظلام أن يتسرب داخل النور؟”.

بموقفٍ لا يحسدُ عليهِ وحيرةٍ كبيرة أياً يودعُ والدهُ أم شقيقهُ يقفُ الطفلُ “أمين محمد سعد الدين الدراوشة الرفاعي” منهاراً يبكي فقيديه وقرة عينيه بعد اغتيالهما من قبل مجهولين أو كما يسميهم أهالي درعا الخفافيش، لكنهم وطاويطُ النهار وافتعلوا جريمتهم النكراء صباحاً على مرأى الناس.

يبكي أمين بحرقة وتحمر وجنتيه، بصوتٍ مبحوحٍ مرتجف يكلم أباه للمرة الأخيرة، ويقول بلهجته الحورانية “يا يابا قوم مشان الله يا يابا” يلتفتُ إلى جثمان شقيقه الأكبر “زين” مكلماً إياه “مشان الله يا أخوي قوم أمانة قوم والله لدللك، أمانة يا بعد عمري” ثم يرجع لينادي والده “يا يابا قوم”.

 

بعد نظرات الوداع الأخيرة وتركِ أحبابَ قلبهِ في مثواهم الأخير بمقبرة “الغارية الشرقية” شرقي درعا، يعود أمين إلى منزله مكسور الجناحين ومفطور الفؤاد، حاملاً حزناً لا تطيقه الجبال وقهراً بلغ الأعماق، ويقسم قبل ذلك على أخذ ثأرهم بيديه، وأنه سينتقم من قاتليهم ولو بعد حين.

يعمل محمد سعد الدين الدراوشة والدُ أمين صائغاً للذهب، كرّس حياته ليعيش حياة كريمة وسعيدة مع عائلته، ولم يدرِ أن المطاف سينتهي به على تلك الحال مقتولاً ومسلوباً جنى عمرهُ وضح النهار، في ظل سيطرة قوات الحكومة السورية على المحافظة، وجلبها ميليشيات من مختلف الجنسيات لنشر الذعر والجريمة تحت ذريعة “حماية الوطن!”.

في الخامس عشر من تموز 2021 يسير الدراوشة بسيارته الخاصة نوع “كيا” يرافقه ولده البكر “زين” الذي ناهز العشر سنوات، وابن عمه 15 عاماً، يقطعون شوارع البلدة متجهين إلى مكان عملهم كالمعتاد، ويحملون في جعبتهم الذهب الخاص بالمحل والذي يقدر وزنه باثنين كيلو غرام، تلك الكمية يحملونها نهاراً خشية “التشليح” والسرقة ليلاً لانتشار عصابات السطو والاغتيال ليلاً.

قبيل وصولهم ساحة “الغارية الشرقية” يتبع سيارتهم مجهولين اثنين، كانوا بحسب “محمد الرفاعي” ملثمين ويركبون دراجةً نارية حيث رصدتهم كمرات المراقبة المعلقة على أحد الشوارع، تبعوا السيارة وقطعوا الطريق عليها واغتالوا الدراوشة وولده وأصيب ابن أخيه بجراح خطيرة.

يؤكد “محمد الرفاعي” ابن بلدة الغارية الشرقية أن المسلحين المجهولين سرقوا كميات من الذهب فاقت الاثنين كيلو غرام، ولم يكتفوا بذلك فيقول “هؤلاء اللصوص ما اكتفوا بسرقة الذهب، قتلوا الدراوشة وابنه ربما خشية معرفتهم أو خشية الاشتباك معهم، وسرقوا السيارة والذهب وضح النهار ولاذوا بالفرار”.

يصفُ “محمد الرفاعي” الحادثة بالمفجعة، وأن قلوب أهل البلدة خاصة وحوران عامة انفطرت، ويضيف بصوته المحزون “والله قلوبنا انفطرت على الشي يلي صار، هذا الإنسان من أطيب الناس وله في قلوب غالبية أهالي المنطقة المحبة والاحترام، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل”.

تلك الحوادث تتكرر بشكل فظيع في درعا، ويؤكد محمد أنها دخيلة على المنطقة ويقول “ما عهدنا مثل تلك الجرائم في درعا منذ القدم، كانت في حال حدثت جريمة تهتز لها كل المحافظة نظراً لندرة الجرائم وانخفاض مستوياتها، لكن اليوم ومنذ سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية على المحافظة في 2018 أصبحت جرائم القتل والاغتيالات يومية”.

يسجل في الشهر الواحد ما يقارب خمسين عملية اغتيال في درعا معظمها تنتهي بمقتل المغدور، ويرجع محمد تلك العمليات على أنها انتقامية من المحافظة الثائرة أولاً في وجه النظام، وكما يؤكد “معظم تلك العمليات ينفذها عناصر من قوات النظام أو متعاملين معهم، ولا تصب إلا في مصلحته ولأجله، وإن كانت غير ذلك لكان منعها مع انتشار آلاف من عناصره في درعا”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى