تقاريرتقارير وقصص إنسانية

الرحلة إلى أوروبا عن طريق بيلاروسيا.. أدق تفاصيلها برواية شاب سوري (فيديو + صور)

تجمع أحرار حوران – وردة الياسين

أصبح الطريق من بيلاروسيا إلى دول الاتحاد الأوربي وخصوصاً إلى ألمانيا، إحدى أكثر طرق الهجرة غير الشرعية شيوعاً، والتي بات يسلكها السورين مؤخرا، بحثاً عن حياة أكثر كرامة وإنسانية، وعن شعور بشيء من الأمن والاستقرار.

وأظهرت دراسة استقصائية صادرة عن مركز “السياسات وبحوث العمليات” (OPC) في 5 من مايو/أيار الماضي، رغبة “عالية” للمشاركين فيها، في الهجرة من دمشق إلى الخارج.

ويتواجد أغلب السوريين الذين يقصدون هذه الوجه داخل سوريا ولاسيما محافظة دمشق أو في دول الجوار الأردن ولبنان، ويشجعهم على سلوك هذا الطريق سماح بيلاروسيا للسوريين بالدخول عبر التأشيرات السياحية، والتي كانت بمثابة بوابة الفرج، للوصول إلى الدول الأوروبية بعد أن انقطعت بهم السبل لاسيّما عبر تركيا واليونان.

شاركنا الشاب “محمد الحريري”، من محافظة درعا، واللاجئ سابقاً في الأردن مغامرته في الوصول إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا، عن طريق دعوة سياحية إلى بيلاروسيا تتراوح قيمتها بين (1000 إلى 1500 دولار أمريكي) من الأردن كانت البداية.

يقول الحريري “لا يتواجد في الأردن سفارة لبيلاروسيا وبالتالي لا يمكنك الحصول على (فيزا)، لكنني تمكنت من الحصول على دعوة سياحية من إحدى المكاتب السياحية والتي يمكنك من خلالها الوصول إلى مطار (منسك) في بيلاروسيا ليتم بعدها الحصول على تأشيرة الفيزا”.

تنتهي مدة الدعوة المخصصة للخروج من الأردن الي بيلاروسيا في فترة أقصاها خمسة عشر يوماً، مما جعل الحريري يعيش سباقاً مع الوقت، خوفاً من انتهاء صلاحية الدعوة بعد أن اعترضه صعوبة الحصول على حجز للطيران، وتالياً إلغاء رحلات الطيران المباشر من الأردن إلى بيلاروسيا.

“تمكنت من الحصول على دعوة فردية، حيث هناك نوعين من الدعوات السياحية فردية وجماعية، أما الجماعية فتعني (القروبات) السياحية.

“الدعوة السياحية لها مدة زمنية وهي 15 يوماً من تاريخ بدء استلام الدعوة، لذلك كان لزاماً على أن أحجز موعداً للطيران بأقصى سرعة حتى لا تنتهي مدة الدعوة، وتمكنت بصعوبة شديدة الحصول على حجز للطيران بسبب الضغط الكبير على مكاتب حجوزات الطيران إلى بيلاروسيا، ولكن ما حصل لاحقاً كان صادماً، حيث تبلغت من قبل مكاتب الحجز بأن الحكومة الأردنية ألغت رحلات الطيران المباشرة إلى بيلاروسيا، لأسباب لم أتمكن من معرفتها أو بالأحرى لم تصرح الحكومة أساساً عنها”، بحسب الحريري.

الحل البديل كان حجز طيران “الترانزيت” وعن هذا يقول الحريري “طيران الترانزيت على شركة (فلاي دبي) كان الحل البديل في سباقي مع الوقت، فقمت بحجز طائرة من عمان إلى دبي ومن ثم من دبي إلى منسك عاصمة بيلاروسيا، ووصلت كلفة هذا الحجز إلى أكثر من ضعف حجز الطيران المباشر (من عمّان إلى بيلاروسيا)”.

ويغادر الحريري الأردن في 18 أيلول/سبتمبر الفائت ليصل إلى مطار مينسك بعد نحو يوم كامل، لتبدأ بعدها مغامرته في الوصول إلى ألمانيا.

ويتابع “تواجد في مطار مينسك عدد هائل من الناس من جنسيات مختلفة، سوريون، لبنانيون، فلسطينيون، مصريون، أفغان، من كردستان العراق وغيرهم.. كان الوضع في المطار مزري للغاية، بقيت في المطار 3 أيام حتى تمكنت من الحصول على تأشيرة الفيزا، إذ كانت أولوية منح الفيز هي للقروبات الجماعية”.

كانت الساعة الثانية بعد منتصف الليل عندما غادر الحريري المطار متوجهاً إلى الفندق الذي حجزه المكتب السياحي الذي أرسل له الدعوة، ليمكث في الفندق أربعة ساعات فقط بعد أن جهز حقيبة صغيرة وتواصل مع أصدقائه الذين نسقوا أمر رحلة الوصول إلى ألمانيا مع المهرب.

“رفض الفندق الذي مكثت فيه إعطائي جواز سفري، وأبلغني أنه يمكنني الحصول عليه بعد انتهاء مدة الفيزا، مما اضطرني إلى ترك الجواز، فأصدقائي الذين نسقوا مع المهرب رحلة تهريبنا إلى ألمانيا كانوا ينتظرون وصولي بأقصى سرعة”، بحسب الحريري.

بتاريخ 22 أيلول، قرابة الساعة الثالثة ظهراً وبرفقة 13 آخرين بدأت رحلة الحريري إلى الحدود البولندية، تقلهم ثلاث سيارات بعد أن دفع كل فرد منهم حوالي 50 دولاراً أمريكياً لسائقي السيارات، ليتمكنوا من الوصول إلى الحدود البولندية، يضيف الحريري “وضعتنا السيارات عند الحدود البولندية لنستعد لاجتياز غابة كثيفة كنا قد جهزنا لاجتيازها بعض من التمر ومن قوارير الماء، ومن أجل شحن الهواتف النقالة أحضرنا (الباور بانك)”.

“أرسل لنا المهرب نقطة علّام توجّب علينا الوصول إليها، وتطلب الوصول إليها المشي قرابة 4 ساعات في غابة كثيفة الشجر، تشتد فيها البرودة، وتعترينا مشاعر الرعب والخوف كلما اشتدت العتمة والظلام”، كما يصف الحريري.

خريطة توضيحية للمسار الذي يتخذه المهاجرون للوصول إلى ألمانيا انطلاقاً من بيلاروسيا – خاص تجمع أحرار حوران

ووصل ومن معه إلى الشيك البولندي والذي بدا له وكأنه بلا نهاية، ويحكي محمد “المشكلة لم تكن بطوله بل بعرضه الذي تراوح بين 4 إلى 5 أمتار بأسلاك شائكة بشكل شديد، الأمر الذي جعلنا نستعين بأغصان الأشجار لاختراقه، إلا أننا توقفنا بعد أن شاهدنا ضوء كشاف قوي، وعلمنا بأنه الجيش البولندي الذي تمكن بغضون دقائق من الوصول إلى الشيك”.

شاهد الجيش البولندي “الحريري” ومن معه ولكنهم لم يكونوا ليستطيعوا فعل شيء معهم، حيث أن الحريري وصحبه مازالوا في الأراضي البيلاروسية، وفق ما ذكره لتجمع أحرار حوران.

نجا الحريري ورفاقه من الجيش البولندي ولكنهم لم ينجوا من الجيش البيلاروسي إلا عن طريق رشوتهم بالمال وبالسجائر، يقول الحريري ” غادر الجيش البولندي نقطة الشيك بعد حوالي ثلاث ساعات، ولكن الجيش البيلاروسي الذي شعر باستنفار الجيش البولندي كان قد حاوطنا، وراح يستجوبنا عمّا نفعله، فما كان منّا إلا أن أخبرناه بكل صراحة عن نيتنا في الوصول إلى ألمانيا، وكان ما طلبه الجيش البيلاروسي هو السجائر وبعض من النقود وأن ننتظر في مكاننا”.

يشرح الحريري عن ساعات طويلة من البرد القارس وهو ينتظر مع رفاقه كما طلب منهم الجيش البيلاروسي فيقول “بقينا ننتظر في بقعة من الغابة قادنا إليها الجيش البيلاروسي أكثر من أربع ساعات في ظل برد قارس جداً، برد شديد حتى النار لم نتمكن من إشعالها من شدة البرد.

وراح الجنود البيلاروسيين يحضرون كل من يروه في الغابة إلى نقطة تجمعنا، وهكذا حتى وصل عددنا إلى 40 شخصاً من جنسيات مختلفة كان من ضمنهم أطفال ونساء، ومن بينهم كانت مجموعة تعدادها حوالي 16 شخصاً بدا عليهم الإرهاق والتعب الشديد، حيث أنهم في الغاية منذ ما يقارب العشرة أيام، وقد باءت كل محاولاتهم بالفشل في اختراق الشيك بسبب إعادتهم من قبل الجيش البولندي إلى الأراضي البيلاروسية”.

اقرأ أيضاً.. “بيلاروسيا” خط عبور جديد لطالبي اللجوء السوريين

ظل الحريري ومن معه حتى الصباح يعانون البرد القارس، ونفذ لديهم الطعام والماء حتى جاءت سيارة تابعة للجيش البيلاروسي، صعد فيها هو وستة أشخاص آخرين، وأكمل “غادر ضباط وعناصر الجيش البيلاروسي نقطة تجمعنا، لتأتي بعد ذلك سيارة تابعة للجيش البيلاروسي فيها عنصر واحد، اختار عشوائياً من تجمعنا 7 أشخاص وطلب منهم الصعود في السيارة، غابت السيارة حوالي الربع ساعة لتعود مرة ثانية، ليعد العنصر ومن جديد 7 أشخاص آخرين كنت أنا واحداً منهم ويسألنا الصعود بالسيارة”.

ويردف “طلب منا العنصر البيلاروسي بأن نخفض رؤوسنا ونتوارى بالسيارة قدر الأماكن حتى لا يلحظنا عناصر الجيش البولندي، وهكذا بقينا حتى وصلنا بعد حوالي الربع ساعة إلى الشيك البولندي، الذي تم قصه من قبل عناصر الجيش البيلاروسي بطريقة ذكية تساعدنا على اجتيازه بسهولة”.

“يوم 23 أيلول، قرابة الساعة العاشرة ليلاً كنت أقطع الشيك البولندي باتجاه أرض قاحلة، ركضت فيها مسافة الكيلو متر تقريباً حتى وصلت الغابة في الأراضي البولندية والتي اختبأت فيها”، يصف الحريري لحظات خروجه من الأراضي البيلاروسية.

لم يكن الوضع أفضل حالاً في الغابة البولندية، التي اكتسحتها العواصف والأمطار الغزيرة والبرد الشديد، ووجود حيوانات فيها لم يتعرف عليها هو ومن وصل معه للغابة “أرسل لنا المهرب نقطة علّام لموقع يتوجب علينا السير نحوه في الغابة التي اجتاحتها العواصف والأمطار الغزيرة والضباب الكثيف، مشينا في أرض موحلة قرابة 5 ساعات نحو النقطة المستهدفة، وأزعم أنه كانت تمر من جانبنا حيوانات لم نعرفها، مما زاد خوفنا إلى جانب شعورنا بالتجمد والإرهاق”.

ويتابع الحريري الشرح عن مغامرته في الغابة البولندية “غرقت ومن معي في مستنقع للماء غمرنا حتى الخاصرة، وعبرناه بصعوبة فائقة، لنمشي بعدها في أراض زراعية غمرتها مياه الأمطار فأصبحت موحلة جداً، مما اضطرنا وبسبب التعب والارهاق وصعوبة السير من رمي أغراض من حقائبنا لتصبح أخف فيسهل حملها والسير فيها”.

يمشي الحريري ومن معه ليصلوا إلى طريق ترابي ومن بعدها إلى طريق معبّد، حيث ستنتظره ومن معه سيارة تقلهم كما أخبرهم المهرب “مشينا في طريق ترابي بلغ طوله حوالي 3 كيلو متراً لنصل أخيراً إلى الطريق المعبّد الذي ستنتظرنا فيه السيارة التي قال المهرب بأنه سيرسلها لنا حال وصولنا، ولكن المهرب رفض إرسال السيارة بحجة أن عددنا قليل، فالسيارة وعلى حد قوله يجب أن تقل مالا يقل عن 14 شخصاً، الأمر الذي جعلنا ننتظر وصول 7 أشخاص آخرين”.

كانت فرحة الحريري ومن معه بوصول السبعة أشخاص الآخرين لا تقدّر بثمن “بين الساعة 4 و 5 فجراً وصلت الدفعة الثانية وهم السبعة أشخاص الذين كنا ننتظرهم، أحسست حينها بأنً شخصاً أعطاني 10 آلاف دولار، ونسيت للحظة شعوري بالبرد وازرقاق وجهي ولساني واصطكاك أسناني من البرد القارس”.

وأردف “وصلت السيارة المزعومة قرابة الساعة التاسعة صباحاً والتي انتظرناها بملابسنا المبتلة بالمطر وأحذيتنا التي أثقلها الوحل والطين”.

يقطع الحريري ومن معه الغابة البولندية ويصلون إلى ألمانيا في الساعة 9 ليلاً “كانت السيارة (مفيّمة) يقودها سائق بولندي، سار فينا مسافة طويلة دون توقّف حتى وصلنا إلى قرية ألمانية”.

وهنا يشعر محمد بالراحة، فالجيش الألماني الذي تقدم نحوهم عاملهم معاملة جيدة “بعد وصولنا للقرية الألمانية، شاهدنا بعد حوالي الربع الساعة الجيش الألماني، الذي كانت معاملته جيدة جدا دون ترهيب أو تخويف، وقادنا الجيش الألماني إلى مبنى تم فيه أخذ بصماتنا ومعلومات عنا، إعطاءنا بعض الأوراق، ثم قادونا إلى كامب بلايبزغ”.

وصل الحريري إلى ألمانيا في رحلة استغرقته حوالي 6 أيام مشى فيها حوالي 14 كيلو متراً وهو يصفها بالرحلة السهلة مقارنة برحلة أشخاص آخرين عانوا أشد مما عاناه، ويعتقد أنها كانت ميسّرة فيما عدا جشع المهرب الذي طلب منه ومن كل شخص ممن كانوا معه مبلغ 2500 يورو.

اقرأ أيضاً.. حكاية مؤلمة.. إعلامي سوري يروي محاولة هجرته غير الشرعية نحو أوروبا

“واعتقد بأن الجيش البيلاروسي كان يستفز ويتسلى بالجيش البولندي، وللأسف كنا نحن المهاجرين غير الشرعيين لعبته وتسليته”.

وتأكيداً على ما استشفّه الحريري فقد كشف تقرير لصحيفة (واشنطن بوست) أنّ السلطات في بيلاروسيا، تستخدم ورقة طالبي اللجوء كسلاح من أجل الضغط على أوروبا وإغراقها بالمهاجرين.

ويتهم الاتّحاد الأوروبي بيلاروسيا بتسهيل العبور غير القانوني للمهاجرين نحو أوروبا انتقاماً من عقوبات الاتحاد الأوروبي عليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى